الذكاء الاصطناعي التوليدي في دول الخليج: فرص واعدة وتحولات استراتيجية

في ظل التقدم المتسارع في عالم التقنية، تبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي كقوة ثورية تعيد رسم ملامح الاقتصاد والابتكار في المنطقة. وقد أظهر تقرير حديث صادر عن شركة “ماكنزي” أن دول مجلس التعاون الخليجي تسير بخطى واثقة نحو توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف القطاعات، بما في ذلك المبيعات والتسويق، والطاقة، والتعليم، والخدمات المالية.

ما هو الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ ولماذا يهم الخليج؟

يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى نوع من الذكاء الاصطناعي القادر على إنتاج محتوى جديد ومبتكر، مثل النصوص والصور والبرمجيات، اعتمادًا على التعلم من البيانات السابقة. التقنية تحمل إمكانات هائلة، وتُعد رافعة اقتصادية واعدة. وتُقدّر القيمة الاقتصادية العالمية لهذه التقنية ما بين 2.6 إلى 4.4 تريليون دولار سنويًا عبر 63 حالة استخدام.

وفي السياق الخليجي، يمكن أن تسهم التقنية بإضافة ما بين 21 إلى 35 مليار دولار سنويًا إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، ما يعادل 1.7% إلى 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.

المبيعات والتسويق والطاقة.. أبرز المستفيدين من الذكاء الاصطناعي التوليدي

يتوقع التقرير أن يشهد قطاع الطاقة في الخليج مكاسب تتراوح بين 5 إلى 8 مليارات دولار سنويًا. كما تحتل قطاعات المبيعات والتسويق مكانة متقدمة ضمن مجالات الاستخدام، إلى جانب البنية التحتية والخدمات المالية.

دول الخليج تتفوق عالميًا في سرعة التبني

رغم حداثة التقنية، أظهرت الدراسة أن 74% من الشركات في الخليج بدأت بالفعل باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي نسبة أعلى من المعدل العالمي البالغ 65%. كما أشار 57% من التنفيذيين في الخليج إلى تخصيص أكثر من 5% من ميزانياتهم الرقمية لهذه التقنية، مقابل 33% فقط عالميًا.

والأهم أن 50% من المشاركين الخليجيين يملكون خارطة طريق واضحة لتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، مقارنة بـ26% فقط على المستوى العالمي.

“محقّقو القيمة”.. شركات خليجية تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى أرباح ملموسة

من بين الشركات التي شملتها الدراسة، لم تتمكن سوى عشر شركات فقط من تحقيق أكثر من 5% من أرباحها من خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي. هذه الشركات التي أطلق عليها التقرير اسم “محقّقي القيمة” تميزت برؤية استراتيجية شاملة، حيث أفادت 80% منها بامتلاكها خارطة طريق واضحة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. كما وسّعت هذه الشركات نطاق استخدام التقنية ليشمل أقسامًا غير تقليدية مثل الموارد البشرية والشؤون القانونية وتطوير المنتجات، ما يعكس تكاملاً وظيفيًا لافتًا. إضافة إلى ذلك، اعتمدت “محقّقو القيمة” على أنظمة دقيقة لمراقبة الأداء، حيث بلغت نسبة من يملكون مؤشرات أداء متقدمة 70% مقارنة بـ39% فقط في الشركات الأخرى. والأهم أن هذه الفئة تبني شراكات استراتيجية واسعة مع مزودي الحلول التقنيين، بنسبة تصل إلى 80%، مقابل 59% فقط في باقي المؤسسات.

التحديات.. الذكاء الاصطناعي التوليدي يحتاج إلى أكثر من التقنية

رغم الحماس الكبير لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الطريق نحو التمكين المؤسسي الكامل محفوف بالتحديات. على صعيد البيانات، ما زالت الكثير من المؤسسات تحتفظ ببياناتها في صوامع متفرقة، مما يعيق تكامل الأنظمة والتحليلات الدقيقة. أما على مستوى البنية التقنية، فهناك توجه متزايد نحو تخصيص النماذج أو تطوير نماذج مملوكة، ما يتطلب ميزانيات ضخمة وخبرات متقدمة. ويشكل نقص الكفاءات تحديًا بارزًا، إذ أشار 48% من التنفيذيين إلى صعوبات في استقطاب المواهب والاحتفاظ بها، رغم وجود استراتيجيات متخصصة. كذلك، فإن توسيع نطاق التطبيق يحتاج إلى نماذج تشغيل مرنة، مثل إنشاء مراكز تميز وتنفيذ برامج فعالة لإدارة التغيير. أما فيما يخص إدارة المخاطر، فتظل قضايا مثل الأمن السيبراني، والامتثال التنظيمي، ودقة المخرجات، من أبرز الهواجس التي لم تحظ بعد باستجابات مؤسسية كافية. إذ أقر 66% من التنفيذيين بأن الأمن السيبراني يمثل مصدر قلق رئيسي، يليه الامتثال بنسبة 52%، ثم دقة النتائج بنسبة 45%.

من التجريب إلى التمكين المؤسسي الكامل

المفارقة أن حتى “محقّقي القيمة” يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي في وظيفتين فقط على الأكثر. مما يكشف أن فرص التوسع لا تزال ضخمة، خصوصًا إذا تم دمج التقنية في وظائف مثل الإنتاج والخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد.

دول مجلس التعاون الخليجي على أعتاب نقلة نوعية

تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي البنية التحتية المالية والتقنية اللازمة لقيادة ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي في المنطقة. غير أن الوصول إلى أقصى إمكانات هذه التقنية يتطلب استثمارًا استراتيجيًا طويل المدى، يبدأ من تبني رؤية رقمية شاملة، ويمتد إلى إعادة هيكلة النماذج التشغيلية، وتعزيز الكفاءات المحلية، وتطوير سياسات فعالة لإدارة المخاطر.

الدول الخليجية على أعتاب الريادة في الذكاء الاصطناعي التوليدي

الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو محرك نمو استراتيجي قادر على إحداث تحولات عميقة في الاقتصاد الخليجي. وإذا استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي في هذه التقنية بنفس الروح التي تقود بها مشاريع التحول الوطني، فإنها لن تكون فقط ضمن الأوائل في التبني، بل ستكون من القادة العالميين في التمكين الذكي.

 

تقييم :
1
5

تقارير ذات صلة

أبريل 16, 2025

في ظل التقدم المتسارع في عالم التقنية، تبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي كقوة ثورية تعيد رسم ملامح الاقتصاد والابتكار في المنطقة. وقد أظهر تقرير حديث صادر عن شركة “ماكنزي” أن دول مجلس التعاون الخليجي تسير بخطى واثقة نحو توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف القطاعات، بما في ذلك المبيعات والتسويق، والطاقة، والتعليم، والخدمات المالية. ما […]

أبريل 13, 2025

في عالم اليوم الذي يشهد تغيرات بيئية سريعة وتحديات متعددة على صعيد الاستدامة، أصبح من الضروري البحث عن حلول مبتكرة لإدارة موارد كوكبنا بشكل أكثر فاعلية.. وتُعد “مراقبة الأرض” عبر الأقمار الصناعية واحدة من الأدوات الرئيسية التي تُمكّن الحكومات والمؤسسات من اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة لدعم التنمية المستدامة والاستدامة البيئية. في هذا التقرير، […]

أبريل 7, 2025

تشهد الأسواق العالمية تغيرًا لافتًا في سلوك الباحثين عن عمل، حيث أصبح “البحث عن وظيفة” هدفًا لنسبة 51% من الموظفين، إما بمراقبة الفرص المتاحة أو بالسعي النشط نحو تغيير الوظيفة، وفقًا لاستطلاع حديث أجرته مؤسسة Gallup وشمل أكثر من 10,000 موظف أمريكي. هذا المعدل هو الأعلى منذ عام 2015، ويعكس ما يُعرف بـ “الانفصال الكبير” […]

استبيان

هل وجدت التقرير مفيداً ومفهوماً؟
هل كان التقرير يحتوي على المعلومات التي كنت تبحث عنها؟
هل تم تصميم التقرير بشكل جيد وسهل القراءة؟
هل تم تنظيم المعلومات بشكل منطقي ومفهوم؟
هل تم استخدام الرسوم البيانية والجداول بشكل فعال ومفيد؟
هل تم توضيح المصادر المستخدمة في التقرير بشكل جيد؟
هل تم تقديم البيانات والمعلومات بشكل دقيق وموثوق؟
هل أثار التقرير أي أسئلة أو استفسارات لديك؟
هل تنصح بتصفح التقرير والاستفادة منه في المستقبل؟
هل تم تقديم البيانات والمعلومات بشكل دقيق وموثوق؟

المصادر