تستقطب الهند اهتمامًا متزايدًا من الشركات متعددة الجنسيات حول العالم، حيث باتت تُعد سوقًا جاذبًا بفضل قاعدة مواهبها الواسعة التي تضم أكثر من ثلث خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) عالميًا، وعدد سكانها الهائل الذي تجاوز 1.4 مليار نسمة. وفقًا لتقديرات حديثة، قد يحقق اقتصاد الهند مكاسب تتراوح بين 0.8 و1.2 تريليون دولار من التحولات في التدفقات التجارية بحلول عام 2030، مع ارتفاع حصة التصنيع من الناتج المحلي الإجمالي من 16% عام 2023 إلى 25% بحلول 2030. كما تستثمر الهند نحو 1.8 تريليون دولار في تطوير البنية التحتية بحلول 2025، مما يعزز الإنتاجية ويقلل تكاليف سلاسل التوريد والمرافق.
مزايا التكنولوجيا والأدوية
يمتلك اقتصاد الهند ميزات تنافسية واضحة تجعله جاذبًا للشركات متعددة الجنسيات، خاصة في قطاعات التكنولوجيا وشركات الأدوية. من المتوقع أن تزيد قيمة الاستثمارات في الهند في مجالات الهندسة والبحث والتطوير من 44-45 مليار دولار حاليًا إلى 130-170 مليار دولار بحلول 2030. كما ارتفعت قيمة صادرات الإلكترونيات الهندية إلى الولايات المتحدة وحدها من نحو 10 مليارات دولار إلى مستهدف يصل إلى 80 مليار دولار بحلول 2030، مع إمكانية وصول إجمالي الصادرات العالمية إلى تريليون دولار في نفس العام. اقتصاد الهند الرقمي يشهد نموًا متسارعًا، حيث تجاوز عدد مستخدمي الهواتف الذكية مليار مستخدم عام 2024، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد مستخدمي الإنترنت 900 مليون بحلول 2025. كما تسهم الهند بنحو 40% من المعاملات الرقمية العالمية عبر منصات مثل “الشبكة المفتوحة للتجارة الرقمية” التي يتوقع أن تزيد قيمة معاملاتها من 60-70 مليار دولار عام 2022 إلى 320-340 مليار دولار بحلول 2030.
تحديات الاستثمار
رغم المزايا الكبيرة، تواجه الشركات متعددة الجنسيات تحديات عديدة في سوق اقتصاد الهند، خاصة في قطاعات التكنولوجيا وشركات الأدوية. تنوع قاعدة المستهلكين وتقلبات الاقتصاد الكلي تعني أن الشركات بحاجة إلى استراتيجيات مرنة للتكيف مع احتياجات السوق المتغيرة، خاصة أن أكثر من 95% من السكان يمتلكون أصولًا مالية تقل عن 2000 دولار. كما أن التغيرات في السياسات التجارية والجغرافية السياسية قد تؤثر على بيئة الأعمال، بالإضافة إلى أن فترات الاسترداد للاستثمارات قد تكون طويلة نسبيًا، خاصة في قطاعات تتطلب استثمارات ضخمة مثل أشباه الموصلات، والتي تعتمد على الدعم الحكومي المستمر. من جهة أخرى، ارتفع متوسط الاستهلاك الشهري للأسرة الهندية من 271 دولارًا عام 2012 إلى 705 دولارات عام 2023، ما يعكس تحسنًا في القوة الشرائية لكنه يبقى متباينًا بين الشرائح الاجتماعية.
استراتيجيات النجاح
يتطلب النجاح في اقتصاد الهند رؤية طويلة الأمد وتمكين القيادات المحلية التي تتمتع بالخبرة والمعرفة العميقة بالسوق. الشركات متعددة الجنسيات التي تخصص منتجاتها وخدماتها لتلبية احتياجات الشرائح المختلفة من المستهلكين الهنديين تحقق نتائج أفضل، خاصة إذا قامت بتوطين عملياتها واستثمرت في بناء شبكات توريد محلية. كما أن الاستجابة السريعة للفرص والتركيز على أهداف واضحة ومؤشرات أداء رئيسية يسهم في تعزيز القدرة التنافسية للشركات في سوق الهند، حيث تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة الموردين الرئيسيين للعديد من الصناعات، لكن قدراتهم تبقى محدودة في تلبية الطلب الكبير على المنتجات والخدمات.
مستقبل واعد
رغم التحديات، يبقى اقتصاد الهند وجهة واعدة للشركات متعددة الجنسيات، حيث يمكنها أن تصبح شريكًا رئيسيًا في النمو العالمي، خاصة في قطاعات التكنولوجيا وشركات الأدوية. الشركات التي تستثمر في الهند بفعالية وتحسن فهمها لاحتياجات السوق يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة على المدى الطويل، وتصبح جزءًا من واحدة من أكبر الاقتصادات وأكثرها ديناميكية في العالم، مع توقعات بمزيد من النمو في الاستثمارات والصادرات والقوة الشرائية في السنوات المقبلة.