تتحدّد اتجاهات الاستدامة للوقت الحالي الحالي بناء على عوامل عديدة، أهمها مدى التقدّم في السياسات التي تبنّتها الحكومات والمؤسسات خلال السنوات الاخيرة، بالإضافة إلى التحديات والظروف القائمة.
ولاستكشاف اتجاهات الاستدامة الحالية والمستقبلية أصدر معهد “كابجيميني” للأبحاث تقرير “Sustainability Trends”، والذي كشف أن العالم قد حقق تقدمًا ملحوظًا في الاستدامة البيئية والاجتماعية على مدى السنوات الثلاث الماضية، خاصة في مسارات دائرية الاستهلاك وإدارة المياه والتنوع البيولوجي، لكنه يحذّر من أن هذا التقدم يواجه خطر التباطؤ بسبب التوترات الجيوسياسية وتصاعد التشكيك من جانب المستهلكين.
معدلات التقدّم في ممارسات الاستدامة
بنى معهد “كابجيميني” نتائج تقرير “Sustainability Trends”، على استطلاع رأي شمل 2152 مديرًا تنفيذيًا من 727 مؤسسة تتجاوز إيراداتها السنوية مليار دولار أمريكي في 13 دولة حول العالم، بالإضافة إلى 6500 مستهلك.
أظهرت نتائج استطلاع الرأي الموسّع أن تبنّي الشركات للممارسات المستدامة ارتفعت بنسبة 22% خلال الفترة من 2022 إلى 2024.
تبرز هذه التطورات من إبلاغ 72% من المسؤولين التنفيذيين أن إعادة التدوير أصبحت جزءًا أساسيًا في علميات التصنيع لديهم، ارتفاعًا من 53% في عام 2022.
وذكر69% من المديرين التنفيذيين أنهم يعملون حاليًا على إعادة تصميم منتجاتهم لاستبعاد المواد المستخرجة من الوقود الأحفوري، بعدما كانت النسبة 47% عام 2022.
وأبلغ 71% أنهم يقيسون استهلاك الطاقة في العمليات الصناعية، مقارنة بنسبة 43% عام 2022، بينما كشف 75% أن المؤسسات لاتي يديرونها أطلقت برامج إدارة المياه، ارتفاعًا من 55% خلال نفس الفترة.
وارتفع الاستثمار في حماية المواطن الطبيعية إلى 66% من 43% قبل عامين، كما تحوّلت 61% من المؤسسات إلى استخدام جهات خارجية للإفصاح عن تأثيرها الاجتماعي، مقارنةً بـ49% عام 2022.
وأصبحت المؤسسات أكثر اهتمامًا بالاستدامة البيئية، حيث يحرص 73% من المديرين التنفيذيين على تدريب موظفيهم على أهمية حماية البيئة مقارنةً بـ52% عام 2022.
اللوائح التنظيمية والتقنية بين أهم اتجاهات الاستدامة
يرى 75% من المديرين التنفيذيين أن اللوائح التنظيمية ضرورية لتحقيق أهداف المناخ العالمية، مع ذلك، هناك قلق واضح من الاستعداد للامتثال لهذه اللوائح.
يشير تقرير اتجاهات الاستدامة العالمية أن 38% فقط من المؤسسات جاهزة للإبلاغ عن الانبعاثات غير المباشرة، بينما 56% فقط مستعدة للإفصاح عن انبعاثات سلاسل التوريد الخاصة بها.
وأكد التقرير على أهمية التقنية المناخية مثل الهيدروجين منخفض الكربون والتقاط الكربون والكهرباء الصناعية، حيث يعتبرها 67% من التنفيذيين ضرورية لتحقيق أهداف الاستدامة.
كما أكد 69% أن التقنيات الرقمية ستسرّع من تبني هذه المارسات، لكنهم أشاروا أيضًا إلى تحديات كبرى أبرزها ارتفاع التكاليف، ونقص المهارات.
التحديت الجيوسياسية تُبطئ الاستدامة
بيّن التقرير أن التوترات الجيوسياسية الحالية أصبحت من أبرز معوقات التمسّك باتجاهات الاستدامة، حيث يعتقد 65% من المسؤولين التنفيذيين أن التغيّرات الحالية تؤدي إلى تباطؤ في الاستثمارات المستدامة.
وفضلًا عن ذلك، قال 69% من المسؤولين التنفيذيين إنهم قلقون من تأثير عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة ومناطق أخرى على مشروعاتهم البيئية.
ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من التقدم في الممارسات البيئية، تزداد شكوك المستهلكين تجاه الشركات.
ارتفعت نسبة المستهلكين الذين يعتقدون أن الشركات تدّعي تبنّي ممارسات خضراء على خلاف الحقيقة إلى 52% عام 2024، بعدما كانت 33% فقط في 2023.
ويطالب المستهلكون بمزيد من الشفافية والمساءلة في ما يتعلق بادعاءات الشركات البيئية.
نصائح لتعزيز الاستدامة
يوصي التقرير بخطوات لمواجهة هذه التحديات، أبرزها الاستعداد للوائح التنظيمية والتحديات الجيوسياسية المحتملة، والاستثمار في التقنيات المناخية الرقمية، ودمج مبادئ الاقتصاد الدائري بشكل كامل في سلسلة القيمة، وتعزيز الشفافية في التواصل مع العملاء، واعتبار المياه والتنوع البيولوجي من الأولويات الأساسية في الاستراتيجيات المستقبلية.
ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن الوقت ليس في صالح البشرية، وأن على المؤسسات أن تتحرك بسرعة لمواجهة التحديات الراهنة، ومع أن التوترات الجيوسياسية والشكوك الشعبية تعقد المشهد، إلا أن الفرصة لا تزال قائمة أمام الشركات التي تستطيع الدمج بين الابتكار، والتنظيم، والمصداقية لتحقيق الاستدامة الشاملة.