التكنولوجيا المالية لم تعد مجرد اتجاه عالمي، بل أصبحت عاملًا رئيسيًا في التحول الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. مع وجود ما يقرب من 4000 شركة ناشئة في المجال وتوقعات بنمو مذهل في حجم الاقتصاد الرقمي، يشكل القطاع منصة مثالية لتعزيز الشمول المالي، ورفع الناتج المحلي الإجمالي، ودفع عجلة التنمية المستدامة. في هذا التقرير نستكشف أرقامًا وحقائق تكشف عن إمكانات هذا القطاع الواعد.
مشهد التكنولوجيا المالية المتنوع في المنطقة
تُعد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا (MEA) إحدى أكثر المناطق تنوعًا وحيوية في مشهد التكنولوجيا المالية عالميًا. تحتضن المنطقة أكثر من 3,700 شركة فنتك، تُقدم حلولاً متنوعة تمتد من المدفوعات الرقمية إلى إدارة الثروات والتأمين الرقمي. وتشهد المنطقة توسعًا في الابتكارات التكنولوجية التي تستهدف تحسين الوصول إلى الخدمات المالية، لا سيما في الأسواق التي تعاني من نقص في البنية التحتية المالية التقليدية.
الدول الرائدة مثل السعودية والإمارات وجنوب أفريقيا تقود الطريق بتطوير بنى تحتية رقمية متقدمة. على سبيل المثال، تصدرت الإمارات مشهد التكنولوجيا المالية في المنطقة مع أكثر من 686 شركة فنتك، في حين تستضيف نيجيريا 250 شركة، وتأتي السعودية بـ 200 شركة ناشئة في هذا المجال. من جهة أخرى، أظهرت مصر نموًا كبيرًا في قطاع التكنولوجيا المالية بفضل بيئة ريادية داعمة.
التأثير الاقتصادي للتكنولوجيا المالية
تلعب التكنولوجيا المالية دورًا حيويًا في تعزيز الاقتصاديات المحلية والإقليمية. فعلى سبيل المثال:
يمثل قطاع التكنولوجيا المالية 150 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي لدول أفريقيا جنوب الصحراء، كما يُتوقع أن تصل قيمة قطاع التكنولوجيا المالية في العالم العربي وحده إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2025.
حققت حلول الدفع الرقمي نموًا مذهلاً؛ حيث زادت المعاملات غير النقدية في الإمارات من 39% في 2018 إلى 73% في 2023.
في جنوب أفريقيا، يُتوقع أن ينمو حجم المعاملات الرقمية بنسبة 20% سنويًا حتى عام 2025، مما يعكس تحولًا سريعًا نحو المدفوعات غير النقدية. أما في السعودية، فإن أكثر من 85% من السكان يستخدمون خدمات فنتك مثل المحافظ الرقمية والتحويلات السريعة.
إضافةً إلى ذلك، تُعد الخدمات المالية الإسلامية واحدة من المحركات الرئيسية للنمو في المنطقة، مع توقعات بوصول السوق العالمي للتكنولوجيا المالية الإسلامية إلى 306 مليارات دولار بحلول 2027.
التحديات والفرص
رغم هذا الزخم الإيجابي، يواجه قطاع التكنولوجيا المالية في المنطقة العديد من التحديات، لكن تلك التحديات تمثل أيضًا فرصًا للابتكار والنمو:
البنية التحتية الرقمية:
يعاني العديد من الأسواق في أفريقيا من نقص في البنية التحتية الرقمية، حيث يتم تخزين 80% من بيانات القارة خارجها.
تُشير التقديرات إلى أن السوق الأفريقية لمراكز البيانات ستصل إلى 3 مليارات دولار بحلول 2025، مما يُبرز الفرص الاستثمارية في هذا المجال.
الشمول المالي:
لا يزال حوالي 52% من سكان أفريقيا جنوب الصحراء بدون حسابات مصرفية، وهو ما يفتح الباب أمام حلول الفنتك لتقديم خدمات مالية مبتكرة تلبي احتياجات هذه الشريحة.
في العالم العربي، يعاني 60% من السكان من نقص في الوصول إلى الخدمات المصرفية، مما يجعل الحلول الرقمية مثل المحافظ الإلكترونية أدوات أساسية لتعزيز الشمول المالي.
التنظيمات والسياسات:
تواجه الشركات الناشئة تحديات متعلقة بالتنظيمات، حيث تتفاوت الأطر التنظيمية بين دول المنطقة. مع ذلك، فإن وجود مبادرات مثل الرمال التنظيمية (Regulatory Sandboxes) يساعد في تمكين الابتكار مع ضمان الامتثال للقوانين.
رأس المال البشري:
تعاني المنطقة من نقص في الكفاءات المؤهلة في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي. لمواجهة هذا التحدي، أطلقت دول أبرزها السعودية برامج تدريبية مثل رؤية 2030، التي تهدف إلى تأهيل المواهب المحلية.
مستقبل التكنولوجيا المالية في المنطقة
مع استمرار الحكومات في دعم التحول الرقمي، يبرز قطاع التكنولوجيا المالية كركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة. على سبيل المثال:
في السعودية، تهدف رؤية 2030 إلى رفع مساهمة قطاع الفنتك في الناتج المحلي الإجمالي، مع استثمار مليارات الدولارات في البنية التحتية الرقمية.
في أفريقيا، يُتوقع أن تصل قيمة الاقتصاد الرقمي إلى 712 مليار دولار بحلول عام 2050.
تُعد منصات الدفع الرقمية والمحافظ الإلكترونية والمصارف الرقمية فرصًا رئيسية للنمو، حيث يقدر أن تشكل المدفوعات الرقمية حوالي 70% من إجمالي المعاملات المالية في المنطقة بحلول 2026.
بالإضافة إلى ذلك، تُظهر تقنيات مثل البلوكشين والذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة لتعزيز الشفافية والأمان في الخدمات المالية. تشير الدراسات إلى أن 40% من شركات الفنتك في المنطقة بدأت بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين خدماتها.
التكنولوجيا المالية تحرك التغيير الاقتصادي
تُعد التكنولوجيا المالية قوة محركة للتغيير الاقتصادي والاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تجمع بين الابتكار والتكنولوجيا لتقديم حلول تلبي احتياجات الأفراد والشركات على حد سواء.
مع استمرار الدعم الحكومي وزيادة الاستثمارات، يُتوقع أن يصبح القطاع لاعبًا رئيسيًا في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام وتعزيز الشمول المالي في المنطقة. بتطور مستمر، يعد هذا القطاع أحد المحركات الرئيسية للتحول الرقمي الذي سيُعيد تشكيل مستقبل الاقتصاديات المحلية والإقليمية.