لا تزال قضية العنف ضد المرأة قائمة، بل إنها تتفاقم، مع تزايد الصراعات في مناطق متفرقة حول العالم، وتردي الأوضاع الاقتصادية للكثير من البلدان، مما يوجب تكثيف العمل الدولي على حل المشكلات التي من شأنها منح الحماية اللازمة للنساء.
ويمثّل اليوم الدولي للعنف ضد المرأة، والذي يوافق 25 من نوفمبر، فرصة لتسليط الضوء على حجم الضرر الواقع على الناس عالميًا بفعل العنف، ومحاولة فهم أسبابه؛ للتوصل إلى سبل معالجة المشكلة.
ما هو العنف ضد المرأة؟
تعرّف منظمة الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بأنه أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ويترتب عليه أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية للمرأة.
وتشمل الأفعال التي تندرج تحت هذا التعريف التهديد أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
كما يشمل العنف ضد المرأة ذلك الذي يكون بين الشريكين الذي يسبب ضررًا جسديًا أو جنسيًا أو نفسيًا، بما في ذلك العدوان الجسدي والإكراه الجنسي والإساءة النفسية والسلوكيات المسيطرة.
صورة قاتمة
كشف تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر في مارس من عام 2024 عن صورة قاتمة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة.
تشير التقديرات التي نشرتها منظمة الصحة العالمية أن 30% من النساء في جميع أنحاء العالم تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل شريكهن أو أشخاص لا صلة لهن بهم.
وحسب المنظمة التابعة للأمم المتحدة، أفادت 27% من النساء في الفئة العمرية من 15 إلى 49 عامًا على مستوى العالم، اللاتي كن في علاقة أنهن تعرضن لشكل من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي من جانب شريكهن الحميم.
وتتراوح تقديرات انتشار العنف بين الشريكين طوال الحياة من 20% في غرب المحيط الهادئ، و22% في البلدان ذات الدخل المرتفع وأوروبا، و25% في مناطق منظمة الصحة العالمية في الأمريكتين، إلى 33% في منطقة أفريقيا، و31% في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، و33% في منطقة جنوب شرق آسيا.
وعلى مستوى العالم، يُرتكب ما يصل إلى 38% من جرائم قتل النساء على يد شركاء حميمين.
وبالإضافة إلى العنف الممارس من قبل الشريك الحميم، أفادت 6% من النساء على مستوى العالم بتعرضهن للاعتداء الجنسي من قبل شخص غير الشريك.
أسباب العنف الفردي ضد المرأة
العنف الفردي ضد المرأة هو ذلك الذي يقع من قبل شخص أو مجموعة دون منهجية جماعية كما في الصراعات.
وقد تقع حوادث العنف ضد المرأة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع نتيجة لمجموعة من العوامل قد تشمل:
- مستويات التعليم المنخفضة.
- تاريخ التعرض لإساءة معاملة الأطفال.
- مشاهدة العنف الأسري.
- انخفاض مستويات وصول المرأة إلى العمل المدفوع الأجر.
- الخلافات الزوجية وعدم الرضا.
- الصعوبات في التواصل بين الشركاء.
تاريخ من السعي لحل المشكلة
بدأ المجتمع الدولي مساعي إنهاء العنف ضد النساء قبل عقود طويلة، ففي عام 1979 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وفي عام 2008، أطلقت المنظمة مبادرة باسم “اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة”، بهدف رفع مستوى الوعي العام حول هذه القضية فضلاً عن زيادة عملية صنع السياسات والموارد المخصصة للتخلص من المشكلة.
ورغم ذلك، لم تحظر سوى دولتين من كل ثلاث دول العنف المنزلي، في حين لا تزال 37 دولة في مختلف أنحاء العالم تعفي مرتكبي الاغتصاب من الملاحقة القضائية إذا كانوا متزوجين من الضحية أو إذا تزوجوا منها في نهاية المطاف، ولا توجد حاليا في 49 دولة قوانين تحمي النساء من العنف المنزلي.
ومنذ عام 2000، يحتفل العالم في 25 نوفمبر سنويًا باليوم الدولي لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
اختارت الأمم المتحدة هذا التاريخ لتكريم الأخوات ميرابال، وهن 3 ناشطات سياسيات من جمهورية الدومينيكان قُتلن بوحشية في عام 1960 بأمر من حاكم البلاد، رافائيل تروخيو.
الحروب تفاقم الأزمة
شهد عام 2023، تضاعف نسبة النساء اللاتي قُتلن في النزاعات المسلحة مقارنة بعام 2022، حسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وأفاد تقرير للهيئة، نُشر في أكتوبر 2024، أن 4 من كل 10 أشخاص لقوا حتفهم نتيجة للصراع في عام 2023 كانوا من النساء.
وأشار التقرير أن حالات العنف الجنسي المرتبطة بالصراع التي وثقتها الأمم المتحدة زادت بنسبة 50% خلال العام نفسه.
وبيّنت الهيئة أن هذه الزيادة في أعداد الوفيات أثناء الحرب والعنف ضد المرأة تحدث على خلفية تجاهل صارخ متزايد للقانون الدولي المصمم لحماية النساء والأطفال أثناء الحرب.
وذكر التقرير أن 500 امرأة وفتاة في البلدان المتضررة من الصراع تموت يوميًا بسبب المضاعفات المتعلقة بالحمل والولادة.
ولفتت الهيئة أنه بحلول نهاية عام 2023، كانت 180 امرأة تلد كل يوم في غزة، معظمهن دون الضروريات أو الرعاية الطبية.
وترى الهيئة أن أبرز التحديات الرئيسية التي تواجه تحقيق الالتزامات المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن تتمثل في الافتقار الشديد إلى التمويل.
وأشارت أنه في عام 2023، بلغت النفقات العسكرية العالمية رقمًا قياسيًا بلغ 2.44 تريليون دولار.
وعلى النقيض من ذلك، لا يزال التمويل للمنظمات والحركات الداعمة لحقوق المرأة أقل من المطلوب، حيث يبلغ متوسطه 0.3% فقط من إجمالي المساعدات سنويًا، وخاصة في المناطق المتضررة من الصراعات.
الممارسات الموصّى باتباعها
يتطلب منع العنف ضد النساء اتباع نهج متعدد الجوانب يعالج جذور المشكلة ويعزز المساواة بين الجنسين ويوفر أنظمة دعم للمستضعفات.
ويتأتي ذلك عبر الاعتماد على مجموعة من الاستراتيجيات تتمثل في:
- التعليم وزيادة الوعي: تنفيذ حملات لعكس الأعراف المجتمعية الضارة، ودمج المساواة بين الجنسين في المناهج الدراسية.
- تعزيز الأطر القانونية: سن وتطبيق تشريعات تجرّم جميع أشكال العنف ضد النساء، وضمان وصول الناجيات إلى العدالة.
- تمكين النساء: تعزيز الاستقلال الاقتصادي للنساء عبر برامج التدريب والتوظيف وزيادة تمثيلهن في مواقع القيادة.
- تحسين الوصول إلى الخدمات: تشمل الرعاية الصحية والمساعدة القانونية والاستشارات.
- التعامل مع عوامل الخطر: تقليل الفقر وعدم المساواة الاجتماعية التي تزيد من ضعف النساء أمام العنف.
- الإجراءات السياسية والمؤسسية: تدريب العاملين في إنفاذ القانون ومقدمي الرعاية الصحية والمعلمين للتعرف على العنف والتعامل معه بشكل فعال.