Search
Close this search box.

الخروج من عنق الزجاجة: كيف أفلتت الاقتصادات الناشئة من فخ الدخل المتوسط؟

سباق مع الزمن تخوضه البلدان المتوسطة الدخل، فمنذ تسعينيات القرن العشرين، نجحت العديد من هذه البلدان في الإفلات من مستويات الدخل المنخفض والقضاء على الفقر المدقع، الأمر الذي أدى إلى نشوء تصور عام مفاده أن العقود الثلاثة الماضية كانت عظيمة بالنسبة للتنمية.

ولكن هذا يرجع إلى التوقعات المنخفضة للغاية ــ وهي بقايا فترة كان يعيش فيها أكثر من ثلثي سكان العالم على أقل من دولار واحد في اليوم.

ويتلخص طموح البلدان المتوسطة الدخل الـ 108 التي يتراوح نصيب الفرد فيها بين 1136 دولاراً أمريكياً و13845 دولاراً أمريكياً في الوصول إلى وضع الدخل المرتفع في غضون العقدين أو الثلاثة عقود المقبلة.

وعندما يتم تقييم هذه البلدان على أساس هذا الهدف، فإن السجل قاتم: إذ يبلغ إجمالي عدد سكان الاقتصادات المتوسطة الدخل الـ 34 التي انتقلت إلى وضع الدخل المرتفع منذ عام 1990 أقل من 250 مليون نسمة، أي ما يعادل عدد سكان باكستان.

وخلال العقد الماضي ساءت آفاق هذه البلدان، مع ارتفاع الديون وشيخوخة السكان في الداخل، وتصاعد الضغوط لتسريع التحول في مجال الطاقة، فإن اقتصادات الدخل المتوسط ​​اليوم تنمو في مساحات أضيق من أي وقت مضى.

ولم تكن احتمالات أن يرى 6 مليارات شخص في البلدان المتوسطة الدخل اليوم، بلدانهم تنمو إلى وضع الدخل المرتفع في غضون جيل أو جيلين جيدة على الإطلاق.

الدخل المرتفع.. حلم بعيد المنال؟

اليوم، تواجه أكثر من 100 دولة ــ بما في ذلك الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ــ عقبات خطيرة قد تعيق جهودها الرامية إلى التحول إلى دول مرتفعة الدخل في العقود القليلة المقبلة، وفقًا لدراسة جديدة أجراها البنك الدولي توفر أول خارطة طريق شاملة لتمكين البلدان النامية من الإفلات من “فخ الدخل المتوسط”.

وذكرت الدراسة، أنه في نهاية عام 2023، تم تصنيف 108 دولة على أنها متوسطة الدخل، حيث يتراوح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي في كل منها بين 1136 دولارًا و13845 دولارًا.

هذه البلدان هي موطن لستة مليارات شخص – 75% من سكان العالم – واثنان من كل ثلاثة أشخاص يعيشون في فقر مدقع.

كما أن هذه الدول تولد أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من 60% من انبعاثات الكربون. وهي تواجه تحديات أكبر بكثير من سابقاتها في الهروب من فخ الدخل المتوسط: الشيخوخة السكانية السريعة، وتصاعد وتيرة إجراءات الحماية الاقتصادية، والحاجة إلى تسريع التحول في مجال الطاقة.

1 2

ولتحقيق اقتصادات أكثر تطورا، تحتاج البلدان المتوسطة الدخل إلى عمليتين انتقاليتين متتاليتين، وليس واحدة.

في الحالة الأولى، يسُتكمل الاستثمار بالضخ، بحيث تركز البلدان (في المقام الأول البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى) على تقليد ونشر التقنيات الحديثة.

وفي الخيار الثاني، تتم إضافة الإبداع إلى مزيج الاستثمار والضخ، بحيث تركز البلدان (ذات الدخل المتوسط العلوي في المقام الأول) على بناء القدرات المحلية.

الدراسة سلطت الضوء على ضوابط النجاح الاقتصادي في البلدان ذات الدخل المنخفض، موضحة أنه ينبع – إلى حد كبير – من تسريع خطوات الاستثمار، مع استعراض تجارب ثلاثة اقتصادات نمت بسرعة من الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط إلى مستويات الدخل المرتفع في العقود الأخيرة.

التجربة الكورية: نموذج يُحتذى

دراسة البنك الدولي استعرضت تجربة نجاح كوريا الجنوبية، والتي قد تكون أفضل دعم للحجة القائلة بأن الحفاظ على النمو المرتفع يتطلب إضافة ضخ إلى تسريع الاستثمار، ثم مرة أخرى زيادة الناتج المحلي الإجمالي.

مع مزيج من سياسات الابتكار، كانت كوريا من بين أقل البلدان نموا على مستوى العالم في أوائل الستينيات، حيث كان دخل الفرد أقل من 1200 دولار أمريكي في عام 1960.

وبحلول عام 2023، وبعد خمسة عقود من النمو المرتفع في الناتج، ارتفع دخل الفرد في كوريا إلى حوالي 33 ألف دولار أمريكي.

وفي ستينيات القرن العشرين، أدت مجموعة من التدابير الرامية إلى زيادة الاستثمار العام وتشجيع الاستثمار الخاص إلى إطلاق النمو.

ثم كانت الطفرة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما أصبح النمو في كوريا مدعوما بمزيج قوي من معدلات الاستثمار المرتفعة والضخ، وسياسة صناعية شجعت الشركات على اعتماد التقنيات الأجنبية.

حصلت الشركات على إعفاءات ضريبية مقابل مدفوعات الإتاوات، والتكتلات المملوكة للعائلات، أوعائلات أخذت زمام المبادرة في نسخ التقنيات من الخارج -في المقام الأول من اليابان- .

وأبانت دراسة البنك الدولي، أنه مع لحاق الشركات الكورية الكبرى بالشركات الأجنبية ومواجهتها مقاومة من مانحيها السابقين، تحولت السياسة الصناعية نحو استراتيجية دعم الابتكار.

وبعد ذلك، عندما أصبحت الشركات الكورية أكثر تطورا في ما تنتجه، أصبحت في حاجة إلى عمال يتمتعون بمهارات هندسية وإدارية متخصصة.

وزارة التربية والتعليم من خلال الجامعات الحكومية والمؤسسات الخاصة قامت بدورها كذلك، حيث حددت الأهداف، وزادت الميزانيات، ورصدت تطور هذه المهارات.

وكانت هذه الشركات تحتاج أيضاً إلى رأس مال أكثر تخصصًأ: بالنسبة لاقتصاد النمو المتوسط الدخل، ظل الاستثمار مهما.

2 2

بولندا: نهضة مدعومة بالاتحاد الأوروبي

تختلف حالة بولندا بسبب ماضيها الاشتراكي وعضويتها في الاتحاد الأوروبي، وهو أقوى اتحاد اقتصادي على الإطلاق.

في أوائل التسعينيات، مرت بولندا بمرحلة انتقالية من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق. ومنذ ذلك الحين، عززت دخل الفرد من 20% من المتوسط في الاتحاد الأوروبي إلى 50%.

ما هي استراتيجية بولندا الفائزة؟ لقد بدأت بفرض الانضباط على الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، وشددت القيود المفروضة على ميزانياتها من خلال خفض الدعم وتشديده.

قامت بولندا بالبناء على هذا الأساس لجذب الاستثمار، والتركيز على ضخ الاستثمار بعد ذلك، ثم التحول إلى الابتكار أخيرًا.

وقد اتّبعت هذا التسلسل إلى حد كبير من خلال زيادة الإنتاجية باستخدام التقنيات التي تم غرسها من أوروبا الغربية – وهي عملية تسارعت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدخولها السوق المشتركة للاتحاد الأوروبي، مما حفز الاستثمار الأجنبي المباشر.

كما نجحت بولندا في زيادة معدلات التعليم العالي من 15% في عام 2000 إلى 42% في عام 2012.

وقد استخدم البولنديون المتعلمون مهاراتهم في العمل في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي فتح قناة أخرى لغرس المعرفة العالمية في الاقتصاد البولندي.

3 2

تشيلي رائدة الدخل المرتفع في أمريكا اللاتينية

ويحمل نجاح تشيلي سمات مماثلة، فوفقًا لدراسة البنك الدولي، في عام 2012 أصبحت تشيلي أول دولة في أمريكا اللاتينية تصل إلى مرتبة الدول ذات الدخل المرتفع، بعد عامين فقط من انضمامها إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

وقد نجحت تشيلي في تنمية صادراتها وتنويعها منذ ستينيات القرن الماضي، عندما كان التعدين يشكل نحو أربعة أخماس صادراتها، وهذه الحصة الآن حوالي النصف.

كما تم دعم عمليات نقل المعرفة من الاقتصادات المتقدمة من قبل المؤسسات العامة والخاصة.

وقد قامت الوكالة التشيلية العامة لترويج الصادرات (ProChile) بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي ساهمت خلال الفترة 2013-2016 بثلث القيمة المضافة للصادرات – أما الثلثين الآخرين فقد ساهم بها كبار المصدرين المحليين.

وتعمل مؤسسة تشيلي، وهي مؤسسة خاصة غير ربحية تأسست عام 1976، على تشجيع نقل التقنية لصالح المشاريع المحلية. ومن الأمثلة على ذلك تكييف تقنيات استزراع السلمون النرويجية مع الظروف المحلية، مما يجعل تشيلي مصدرا رائدا للسلمون في العالم.

4 4

تقييم :
1
5

تقارير ذات صلة

سبتمبر 9, 2024

بقيادتها الحكيمة ورؤيتها الثاقبة، تستعد المملكة العربية السعودية، لاستضافة حدث عالمي فارق في مجال الصناعة. خطوة جريئة تعكس طموحات المملكة العالمية، باستضافة النسخة الثانية من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) 2024، والذي تنظمه منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO). يمثل هذا الحدث، الذي يعقد في أكتوبر المقبل، منصة فريدة تجمع صناع القرار والمختصين والخبراء […]

أغسطس 16, 2024

تستهدف رؤية المملكة 2030 إحداث تحوّل جذري في جميع مكونات البلاد، لتشكيل مستقبل طموح تكون سمته الرئيسية الاستدامة وجودة الحياة، وهو ما يوجد الحاجة للاعتماد على مفهوم المدن الذكية كعامل أساسي في تحقيق هذا الغرض، كونها السبيل لمعالجة الضغوط التي تتعرض لها المدن التقليدية، مثل الاختناقات المرورية والتلوث البيئي واستنزاف الموارد والزيادة في السريعة في […]

أغسطس 15, 2024

سباق مع الزمن تخوضه البلدان المتوسطة الدخل، فمنذ تسعينيات القرن العشرين، نجحت العديد من هذه البلدان في الإفلات من مستويات الدخل المنخفض والقضاء على الفقر المدقع، الأمر الذي أدى إلى نشوء تصور عام مفاده أن العقود الثلاثة الماضية كانت عظيمة بالنسبة للتنمية. ولكن هذا يرجع إلى التوقعات المنخفضة للغاية ــ وهي بقايا فترة كان يعيش […]

استبيان

هل وجدت التقرير مفيداً ومفهوماً؟
هل كان التقرير يحتوي على المعلومات التي كنت تبحث عنها؟
هل تم تصميم التقرير بشكل جيد وسهل القراءة؟
هل تم تنظيم المعلومات بشكل منطقي ومفهوم؟
هل تم استخدام الرسوم البيانية والجداول بشكل فعال ومفيد؟
هل تم توضيح المصادر المستخدمة في التقرير بشكل جيد؟
هل تم تقديم البيانات والمعلومات بشكل دقيق وموثوق؟
هل أثار التقرير أي أسئلة أو استفسارات لديك؟
هل تنصح بتصفح التقرير والاستفادة منه في المستقبل؟
هل تم تقديم البيانات والمعلومات بشكل دقيق وموثوق؟

المصادر