في مطلع القرن العشرين، ظهرت مئات شركات النقل في بدايات صناعة السيارات. كان السوق مفتوحًا، والطموح واسعًا، لكن لم تنجُ إلا القلة القليلة. اليوم، يعيد التاريخ نفسه في ثوب جديد.
تشهد شركات النقل الناشئة العاملة في مجالات مثل السيارات الكهربائية، القيادة الذاتية، والتنقل المشترك، اندفاعًا كبيرًا في الدخول إلى السوق، لكن كثيرًا منها يصطدم بجدار الفشل مبكرًا.
هذا التحدي ليس في الفكرة، بل في القدرة على التوسع والبقاء في سوق تتحكم فيه شركات السيارات الكبرى من جهة، والمستهلكون المتطلبون من جهة أخرى. تقرير حديث صادر عن شركة “ماكنزي” في مارس 2025 سلّط الضوء على هذه الظاهرة، مستعرضًا عوامل النجاح، ونقاط الفشل، ومسارات الإنقاذ الممكنة لهذه الشركات في مجال التنقل.
تدفق استثماري ضخم في مجال التنقل
منذ عام 2010، استثمرت الجهات التمويلية ما يقارب 950 مليار دولار في أكثر من 3800 شركة ناشئة تنشط في مجال التنقل، إلا أن 90% من هذه الشركات لم تتمكن من تحقيق النمو المأمول، وانتهى بها المطاف إلى الخروج من السوق أو فقدان زخمها. الفترة الممتدة بين عامي 2021 و2022 شهدت ذروة هذا التدفق، حيث بلغ متوسط الاستثمار في الربع الأخير من عام 2021 نحو 15 مليار دولار، قبل أن تتراجع الأرقام تدريجيًا ثم تعود إلى الارتفاع النسبي في نهاية عام 2023.
شركات السيارات خارج دائرة التأثير
كشف التقرير أن أكثر من 90% من التمويل في شركات النقل الناشئة لم يصدر عن شركات السيارات التقليدية، بل جاء من جهات خارجية مثل شركات التقنية، وصناديق رأس المال الجريء، وشركات الطاقة، وصناديق التقاعد. وفي المقابل، لم تتجاوز مساهمة شركات صناعة السيارات 7.5% من إجمالي الاستثمارات في الفترة ما بين 2022 ومنتصف 2024، وهو ما يشير إلى وجود فجوة بين الصناعة التقليدية والابتكارات التي تقود التحول في مجال التنقل.
استراتيجيات النجاح في شركات النقل الناشئة
رغم الصعوبات، يشير التقرير إلى ستة محاور يمكن أن تشكل استراتيجية فعالة لبقاء ونمو الشركات الناشئة في مجال النقل. أولا، التركيز على مجال محدد قابل للتوسع، كما فعلت شركة Waymo عندما ركزت على خدمات التاكسي الذاتي، مسجلة أكثر من 4 ملايين رحلة في مدن أمريكية رئيسية خلال عام 2024. ثانيًا، امتلاك منتج أو تقنية فريدة، كما حدث مع Tesla التي أطلقت سيارتها الكهربائية Roadster في 2008، ثم طراز Model 3 الذي حقق مبيعات تراكمية فاقت المليون سيارة بحلول 2021.
ثالثًا، الاستفادة من ميزة الدخول المبكر إلى السوق، وهي استراتيجية مكنت شركات مثل تسلا من بناء علامة تجارية قوية وشبكة إنتاج عالمية في الصين وأوروبا والولايات المتحدة. رابعًا، تبني استراتيجية الدخول المتأني، عبر مراقبة المنافسين وتفادي أخطائهم المكلفة. خامسًا، النمو من خلال الشراكات أو الاستحواذ، كما فعلت Mobileye باستثمار من شركة Intel، أو Miles Mobility التي توسعت عبر الاستحواذ على WeShare من فولكسفاغن. سادسًا، الاستثمار الكبير لكن المدروس، وهو ما قامت به شركة Lime حين خصصت 55 مليون دولار لتوسيع أسطولها بعد دراسات دقيقة للسوق وللجهات التنظيمية.
وصفة النجاح في صناعة السيارات الجديدة
يخلص تقرير ماكنزي إلى أن النجاح في شركات النقل لا يمكن أن يتحقق من خلال التمويل وحده، بل يتطلب مزيجًا من الرؤية بعيدة المدى، وفهم عميق للسوق، واستراتيجيات نمو قائمة على التعلم من تجارب سابقة. في ظل التطورات المتسارعة في صناعة السيارات، والتحول نحو التنقل الذكي والمستدام، تبقى الشركات الناشئة في هذا المجال أمام فرصة كبيرة لكنها محفوفة بالمخاطر، ولا ينجو منها سوى من يتقن فن التوقيت، ويملك الجرأة على الابتكار، والمرونة على التكيف.