في عالم يسوده القلق وانعدام الثقة، باتت المؤسسات التي كانت تُعتبر يومًا ما ركائز الاستقرار تواجه أزمة غير مسبوقة. مع تصاعد المظالم الاجتماعية والاقتصادية، يتراجع إيمان الشعوب بالحكومات ووسائل الإعلام وحتى قطاع الأعمال، وفقًا لما كشفه تقرير إيدلمان للثقة 2025. التقرير، الذي استند إلى استطلاع شمل 33,000 مشارك في 28 دولة، يرسم صورة قاتمة لمستقبل الثقة المؤسسية، حيث تتفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، ويزداد الاستقطاب السياسي.
25 عامًا من تراجع الثقة
مرّت الثقة المؤسسية بتغيرات كبيرة خلال العقود الماضية:
- 2003: تراجع الثقة في الحكومة الأمريكية.
- 2016: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانخفاض الثقة في الإعلام.
- 2020: جائحة كوفيد-19 وزيادة الثقة في قطاع الأعمال.
- 2023: تصاعد أزمة الثقة والمظالم الاجتماعية.
الانتخابات تفشل في تحسين الثقة
على الرغم من التحولات السياسية الأخيرة، أظهر التقرير أن 53% فقط من الدول التي أجرت انتخابات سجلت تحسنًا في الثقة. وتصدرت الصين والهند بنسبة 75%، تليها الإمارات بنسبة 74%، بينما كانت أدنى مستويات الثقة في اليابان والمملكة المتحدة (39%)، والأرجنتين (43%).
الاقتصاد والتكنولوجيا يعمّقان الشعور بالظلم
أدت العولمة والتكنولوجيا إلى ارتفاع المخاوف بشأن الأمان الوظيفي، حيث يشعر 62% من الموظفين بالقلق من فقدان وظائفهم بسبب النزاعات التجارية، بينما يرى 58% إن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يشكلان تهديدًا مباشرًا لوظائفهم.
تراجع ثقة الموظفين في أصحاب العمل
شهدت ثقة الموظفين في أرباب العمل انخفاضًا، حيث بلغت 73% عام 2025، مقارنة بـ78% في 2018. وتصدرت الهند وسنغافورة (81%) قائمة الدول الأكثر ثقة، بينما جاءت اليابان في المرتبة الأخيرة (48%).
الفجوة الاقتصادية وتأثيرها على الثقة
كشف التقرير عن تفاوت حاد في مستوى الثقة بين أصحاب الدخل المرتفع والمنخفض، حيث بلغت الفجوة 13 نقطة مئوية. وسُجلت أكبر الفجوات في تايلاند (24 نقطة).
تزايد الشكوك في نزاهة القادة
يعتقد 69% من المشاركين أن الحكومات تضللهم عمدًا، بزيادة عن 58% في 2021، كما يشكك 70% منهم في دقة التقارير الإعلامية والصحفيين.
الأثرياء في دائرة الاتهام
تفاقم الاستياء من الطبقات الثرية، حيث يرى 67% من المشاركين أن الأثرياء لا يدفعون ضرائبهم العادلة، بينما يعتقد 65% أن أنانية الأثرياء هي سبب رئيسي لمشاكل المجتمع.
العنف والمعلومات المضللة كأدوات للتغيير
40% من الشباب (18-34 عامًا) يعتقدون أن النشاط العدائي مبرر لتحقيق التغيير، كما يؤيد 27% منهم الهجمات الإلكترونية، ويدعم 25% نشر معلومات مضللة.
غياب التفاؤل بمستقبل الأجيال القادمة
وفقًا للتقرير، فإن 36% فقط في الدول المتقدمة يعتقدون أن مستقبل الأجيال القادمة سيكون أفضل، وسجلت اليابان (14%)، وألمانيا (15%) أدنى نسب التفاؤل.
تصاعد الخوف من التمييز
عبر 63% من المشاركين عن قلقهم من التمييز، بزيادة 10 نقاط مئوية منذ 2021، وكانت جنوب إفريقيا (78%) والولايات المتحدة (77%) الدولتان صاحبتا أعلى نسب القلق.
المظالم تُضعف الثقة في المؤسسات
يعتقد 61% من المشاركين، بحسب تقرير إيدلمان للثقة 2025، أن الأنظمة الاقتصادية تفضل الأثرياء على عامة الناس، وكانت أعلى معدلات الشعور بالمظالم في الأرجنتين (72%) وكولومبيا (70%).
التداعيات على المؤسسات الحكومية
بحسب التقرير، 53% من ذوي المظالم العالية يرون أن نجاح الآخرين يأتي على حسابهم، كما انخفضت الثقة في الحكومة بين ذوي المظالم العالية إلى 25%، مقارنة بـ71% لدى ذوي المظالم المنخفضة.
هل يمكن استعادة الثقة؟
يؤكد تقرير Edelman Trust Barometer 2025 أن تصاعد المظالم وانعدام العدالة يفاقمان فجوة الثقة في المؤسسات الحكومية والاقتصادية. ويشدد على أن الحل يكمن في تبني الشفافية والمساءلة لضمان استقرار المجتمعات ومنع تفاقم الأزمة في المستقبل.