يشهد الاقتصاد العالمي تغييرًا جذريًا وسط نمو التجارة الرقمية بوتيرة سريعة، والتي سجّلت قيمتها الإجمالية زيادة بنحو 4 أضعاف منذ عام 2005.
وفي حين أن الاقتصادات المتقدمة هي المصدر الرئيسي للخدمات المقدّمة رقميًا، فإن الاقتصادات النامية، بما في ذلك دول أفريقيا، تصدّر هذه الخدمات بشكل متزايد، ومع ذلك، لا تزال البلدان الأقل نموًا تشهد تقدّمًا أبطأ في التجارة الرقمية.
نشرت منظمة التجارة العالمية، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، والبنك الدولي؛ لبيان الدور المحوري للتعاون الدولي في مساعدة الاقتصادات النامية على اغتنام فرص التجارة الرقمية ومعالجة التحديات المرتبطة بها.
نمو سريع
تعرف التجارة الرقمية بأنها جميع معاملات التجارة الدولية التي يتم طلبها أو تسليمها رقميًا، وهو التعريف المعتمد لدى المنظمات الدولية.
وصلت قيمة الصادرات العالمية من الخدمات المقدمة رقميًا إلى 14.33 تريليون ريال سعودي في عام 2022، لتستحوذ على حصة تقدر بحوالي 54% من إجمالي صادرات الخدمات العالمية، و12% من إجمالي صادرات السلع والخدمات.
وبين عامي 2005 و2022 بلغ متوسط معدل النمو السنوي المقدر للخدمات المقدمة رقميًا 8.1%، متجاوزًا صادرات السلع التي بلغت نسبة نموّها 5.6%، وصادرات الخدمات الأخرى المقدرة بـ 4.2%.
وإلى جانب التجارة في الخدمات المقدمة رقميًا، تمثل تجارة السلع المطلوبة رقميًا مجالًا صاعدًا بقوة، باعتبارها وسيلة حيوية للمنتجين للوصول إلى العملاء.
وفقًا للتقرير، ارتفعت حصة تجارة السلع المطلوبة رقميًا من جميع الصادرات في ماليزيا من 5% إلى 8% بين عامي 2015 و2019، وتضاعفت في تايلاند من 2% في عام 2015 إلى 5% في 2021.
يسلط هذا النمو السريع في التجارة الرقمية الضوء على الأهمية المتزايدة للتقنيات الرقمية في الاقتصاد العالمي، بما يسهّل ويوسّع التجارة الدولية، ويمكّن الشركات من توفير السلع والخدمات عبر الحدود بطريقة أكثر سلاسة وفعالية من حيث التكلفة.
وفي أعقاب جائحة “كوفيد-19” أصبحت التجارة الرقمية أداة مهمة لدعم وتعزيز القدرة على الصمود بالنسبة للأعمال، من خلال الحفاظ على العمليات التجارية وتقديم السلع والخدمات وسط القيود المادية، مع تنويع سلاسل التورد وفتح أسواق جديدة.
فرص النمو الاقتصادي المرتبطة بالتجارة الإلكترونية
تغيّر الرقمنة الطريقة التي تنمو بها الاقتصادات، حيث تعمل على تعزيز النمو الأوسع الذي تقوده الخدمات، خاصة وأن ظهور التقنيات الجديدة لعبت دورًا كبيرًا في التغلب على الحاجة التقليدية للقرب المادي في العديد من أنشطة الخدمات.
أدى ذلك إلى زيادة إمكانية تداول العديد من الخدمات عبر الحدود، بما يشمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتمويل والخدمات التجارية والمهنية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتقنيات الرقمية، سواء كانت مستخدمة في الإنتاج أو الشراء عبر الإنترنت وتسليم السلع أو الخدمات محليًا ودوليًا أن تكون بمثابة محرك للنمو من خلال زيادة الإنتاجية وتشجيع الابتكار وتعزيز التجارة.
ينتج ذلك من أن التقنيات الرقمية يمكن أن تزيد الإنتاجية من خلال خفض تكاليف الإنتاج، وزيادة الحافز على الابتكار وتعزيز تبادل الأفكار، فضلًا عن توسيع وتنويع صادرات السلع والخدمات.
بالنسبة لخفض تكاليف الإنتاج، يمكن أن تستفيد الشركات من الخدمات الرقمية في تقليل الالتزامات المالية نحو العمالة وتبسيط العمليات وتحسين استخدام الموارد.
على سبيل المثال، يمكن للرقمنة أن تخفض تكاليف الإنتاج في القطاع الزراعة، بأن تتيح للمزارعين إمكانية الوصول إلى معلومات أفضل وفي الوقت المناسب عن خصائص التربة ودرجات الحرارة ونمو المحاصيل.
ويمكن للرقمنة أيضًا أن تزيد الإنتاجية من خلال توسيع نطاق الوصول إلى الأسواق، أو تحسين استراتيجيات الاستعانة بالمدخلات ومن خلال تسهيل الإقراض.
ومن خلال تقليل الوقت والجهد والموارد اللازمة للبحث عن المعلومات والوصول إليها واسترجاعها وتوصيلها، يمكن للشركات اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات وربما توسيع نطاق وصولها إلى الأسواق.
كما تعمل الرقمنة على تسهيل تبادل الأفكار وتعزيز الابتكار، فالتفاعل من خلالها يجلب وجهات نظر متنوعة، ويتيح تبادل المعرفة، ويسهل تلقّي التغذية الراجعة ويوسع قاعدة المعرفة.
دليل الاقتصادات الأقل نموًا للاستفادة من التجارة الرقمية
حدد التقرير أيضًا عددًا من التوصيات التي يجب على صانعي السياسات مراعاتها عند الترويج للتجارة الرقمية، مما يرفع توقعات نجاحها في الاقتصادات الأقل نموًا، بما في ذلك ما يلي:
– تمكين المعاملات عن بعد من خلال تقليل العوائق الفنية والقانونية والمالية للوصول إلى الخدمات الرقمية.
– تعزيز الثقة في الأسواق الرقمية من خلال تفعيل أنظمة حماية المستهلك وخصوصية البيانات.
– تعزيز الوصول إلى الخدمات الرقمية بأسعار معقولة عن طريق خفض تكاليف البيانات وتحسين البنية التحتية الرقمية.
– دعم عمليات التسليم العابرة للحدود من خلال خفض تكاليف التجارة والنقل.
– توفير الضمانات المناسبة المتعلقة بالمعاملات عبر الإنترنت، مثل خصوصية البيانات، وحماية المستهلك، والأمن السيبراني.
– تنفيذ سياسات المنافسة لتعزيز المنافسة السليمة.
وأشار التقرير أنه قد تم إحراز تقدم كبير في زيادة إمكانية الوصول إلى الإنترنت، في سبيل تحسين البنية التحتية الرقمية، حيث أن حوالي 67% من سكان العالم، أي حوالي 5.4 مليار شخص، لديهم هذه الإمكانية حاليًا.
ومع ذلك، لا يزال ثلث سكان العالم، وخاصة في الاقتصادات المنخفضة الدخل والدخل المتوسط الأدنى، لا يمكنهم الوصول إلى الإنترنت.
ملخص التقرير
– بلغت قيمة الصادرات العالمية من الخدمات المُقدّمة رقميًا إلى 14.33 تريليون ريال سعودي في 2022، وهو ما يمثّل حوالي 54% من إجمالي صادرات الخدمات العالمية، و12% من إجمالي صادرات السلع والخدمات.
– تم إحراز تقدم كبير في زيادة إمكانية الوصول إلى الإنترنت، في سبيل تحسين البنية التحتية الرقمية، حيث أن حوالي 67% من سكان العالم، أي حوالي 5.4 مليار شخص، لديهم هذه الإمكانية حاليًا.
– بين عامي 2005 و2022، بلغ متوسط معدل النمو السنوي المقدر للخدمات المقدمة رقميًا 8.1%، متجاوزًا صادرات السلع والخدمات الأخرى.
– في أعقاب جائحة “كورونا” أصبحت التجارة الرقمية أداة مهمة لدعم وتعزيز القدرة على الصمود بالنسبة للأعمال، من خلال الحفاظ على العمليات التجارية وتقديم السلع والخدمات وسط القيود المادية.
– الاقتصادات المتقدّمة هي المصدّر الرئيسي للخدمات المُقدّمة رقميًا، وتقدّمها الاقتصادات النامية بشكل متزايد، إلا أن البلدان الأقل نموًا لا تزال متخلّفة عن الركب.
– للاستفادة من التقنيات الرقمية في التنمية الاقتصادية، يتعين الاعتماد على قدراتها في زيادة الإنتاج وخفض التكاليف وتعزيز الابتكار والإبداع.
– يلزم للاستفادة من التقنيات الرقمية، تمكين المعاملات عن بعد من خلال تقليل العوائق الفنية والقانونية والمالية للوصول إلى الخدمات الرقمية.
– يساهم تعزيز الثقة في الأسواق الرقمية من خلال تفعيل أنظمة حماية المستهلك وخصوصية البيانات في الاستفادة من التقنيات الرقمية في التنمية الاقتصادية بشكل أكبر.