ترتبط الصراعات المسلّحة بآثار سلبية على البشر والاقتصادات والبنية التحتية وكل ما يقع في نطاق الحرب تقريبًا، وتبقى الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال من أكثر تداعيات الحروب كارثية.
وفي عام 2022، كان 1 من كل 6 أطفال حول العالم يعيشون في مناطق حروب، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 2.8% عن 2021، مع توقعات بزيادة أكبر في 2023 بسبب الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أصدرت منظمة “إنقاذ الطفولة” تقريرًا بعنوان “أوقفوا الحرب على الأطفال”، في ديسمبر 2023، يستعرض وضع صغار السن الذين يعيشون في مناطق الصراع، استنادًا إلى بيانات من معهد أبحاث السلام في أوسلو، وتقرير الأمم المتحدة السنوي للأمين العام لعام 2022.
يعرض التقرير إحصاءات حول الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراع، والانتهاكات التي يتعرضون لها، مع الكشف عن أخطر 10 دول على صغار السن بسبب الحروب، ويضع توصيات لإنقاذهم.
انتهاكات جسيمة بحق الأطفال في الحروب
خلص التقرير إلى أن 468 مليون طفل كانوا يعيشون في مناطق نزاع مسلح حول العالم، وهو رقم أقل قليلًا من المستوى القياسي في 2020 والذي سجّل تواجد 496 مليون طفل في مناطق الصراع.
وكانت أفريقيا عي القارة التي لديها أكبر عدد من الأطفال المتأثرين بالصراعات في عام 2022، مع وجود ما يقرب من 183 مليون طفل يعيشون في مناطق النزاع، تليها آسيا بـ 145 مليون طفل، و69 مليونًا في الأمريكتين، و63 مليونًا في الشرق الأوسط، مقابل 9 ملايين في أوروبا.
وبشكل عام، تم الإبلاغ عن 27,638 انتهاكًا جسيمًا ضد الأطفال والتحقق منها في عام 2022، بمعدل 76 انتهاكًا في المتوسط يوميًا، وبزيادة بنسبة 13% عن عام 2021.
ووصل عدد الحالات المبلغ عنها والمؤكدة 8,647 حالة، وكان قتل وتشويه الأطفال هو أكثر أنواع الانتهاكات ارتكابًا، يليه تجنيد الأطفال واستخدامهم في الحروب.
ووفقًا للتقرير السنوي للأمم المتحدة، في عام 2022، شهد الأطفال في جمهورية الكونغو الديمقراطية والأراضي الفلسطينية المحتلة والصومال وسوريا وأوكرانيا وأفغانستان واليمن أكبر عدد من الانتهاكات التي تم التحقق منها.
وتنقسم الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في الحروب إلى 6 أنواع، تم رصد حجمها في التقرير خلال عام 2022، على النحو التالي:
- قتل وتشويه الأطفال: ارتفعت الأعداد من 8,113 في 2021 إلى 8,647 في 2022، منها 2,982 حالة قتل، و5,633 جريمة تشويه، وكانت أعلى أعداد القتلى في بوركينا فاسو وجمهورية الكونغو الديمقراطية، في حين أن معظم حالات التشويه كانت في فلسطين وأوكرانيا وأفغانستان.
- تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل القوات والجماعات المسلحة: وصلت عدد الحالات التي تم التحقق منها إلى 7,610 حالة، بزيادة قدرها 20% عن عام 2021، ومعظم هؤلاء الأطفال كانوا من الأولاد بنسبة 87%.
- اختطاف الأطفال: ارتفع عدد الحالات المبلغ عنها إلى 3,983 من 3,460 في العام السابق، بزيادة بنسبة 15%، يمثل الأولاد 47% منهم، والفتيات 26%، بينما لم يتم تحديد الجنس في 27% من الحالات.
- الاغتصاب والتحرش الجنسي: سجّل التقرير 1,159 حالة اغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي ضد الأطفال تم التحقق منها في عام 2022 بانخفاض قدره 12% عن عام 2021، وشكلت الفتيات 98% من الأطفال الناجين من العنف الجنسي.
- الحرمان من وصول المساعدات الإنسانية: بلغ الإجمالي 3,931 حالة تم الإبلاغ عنها والتحقق منها، وهو انخفاض طفيف من 3,945 حادثة في 2021، بنسبة 0.4% وتشمل هذه الحوادث العنف والتهديدات ضد العاملين في مجال المساعدات الإنسانية ونهب المرافق الإنسانية والإمدادت المنقذة للحياة، والتعنت الإداري.
- الهجمات على المدارس والمستشفيات: بلغ العدد المسجل لهذ الهجمات ارتفاعًا بنسبة 74% من 1,323 في عام 2021 إلى 2,308 في 2022، وشملت هذه الحوادث الهجوم المباشر على مباني المدارس والمستشفيات، والاستخدام العسكري لها، والهجمات على العاملين في مجلي الصحة والتعليم.
بؤر الصراع الأكثر خطورة على الأطفال
بالجمع بين أبحاث معهد أوسلو لأبحاث السلام حول الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع وتحليل بيانات الأمم المتحدة حول الانتهاكات الجسيمة لعام 2022، حددت منظمة إنقاذ الطفولة البلدان الأكثر تضررًا بالصراع بالنسبة للأطفال وهي:
جمهورية الكونغو الديمقراطية
يواجه الأطفال في البلد الأفريقي موجات من الصراع العنيف وتفشي الأمراض بشكل منتظم، ومع الكوارث الطبيعية المتكررة والفقر السائد تزيد معاناة الأطفال.
في الكونغو، يُمنع معظم الأطفال الذين يعيشون في المناطق المتضررة من النزاع من الذهاب إلى المدرسة، حيث تم الإبلاغ عن 121 حادثة هجوم على المدارس والمستشفيات في العام الماضي، وتم إغلاق ما مجموعه 825 مدرسة.
مالي
يتعرض الأطفال في مالي لهجمات منظمة من قبل الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، حيث يواجهون بشكل منتظم خطر الاختطاف والتجنيد.
في عام 2022، تم تسجيل 689 حالة تجنيد أطفال واستخدامهم من قبل القوات والجماعات المسلحة، وتعرض 252 طفلًا للقتل أو التشويه.
ميانمار
يعيش 88% من الأطفال في ميانمار داخل المناطق المتضررة من النزاع، وتمثّل هذه النسبة ما يزيد عن 16 مليون طفل.
في عام 2022، تم الإبلاغ عن وقوع 2750 مواطنًا من الكبار والصغار قتلى بفعل الصراع في ميانمار، مع لاتحقيق في 3 حالات عنف جنسي ضد الأطفال.
أفغانستان
يواجه الأطفال في أفغانستان حديات من نوع خاص، مثل انتشار الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة على أراضي البلاد.
وعلاوة على ذلك، فهم يتعرضون لانتهاكات جسمية، تتمثل في الهجمات على المدارس، والاستخدام العسكري للمدارس، والاختطاف، والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية.
بوركينا فاسو
يعيش الأطفال في بوركينا فاسو أوضاعًا إنسانية مريرة بسبب الصراع، فمع نهاية عام 2022، بلغ عدد النازحين داخليًا 1.9 مليون شخص، كان نصفهم تقريبًا من الأطفال.
وخلال 2022، تم تسجيل مقتل أو تشويه 677 طفلًا في بوركينا فاسو، مع استخدام 125 من قبل القوات والجماعات المسلحة، واختطاف 500 آخرين.
توصيات لحماية الأطفال في مناطق النزاع
وضع التقرير مجموعة من الالتزامات التي يتعين على البلدان والمنظمات الدولية التعهد بها لحماية الأطفال من الانتهاكات خلال الصراعات المسلحة، والتي تشمل:
– الالتزام بمعايير القانون الدولي وحقوق الإنسان في مناطق الصراع، بما يشمل حماية الأطفال من التجنيد، والاعتراف بمن تم استخدامعهم من قبل القوات والجماعات المسلحة كضحايا، وعدم احتجازهم إلا كإجراء أخير ولأقصر فترة زمنية ممكة.
– تعليق وحظر تصدير أو نقل الأسلحة والأدوات العسكرية إذا وجد خطر احتمال استخدامها لارتكاب انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والجرائم الخطيرة ضد المدنيين.
– التأكد من وجود آليات للمساءلة الدولية للتحقيق والملاحقة القضائية الفعالة للجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد الأطفال.
– عمل أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على دعم التحركات لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال في الصراع، والامتناع عن عرقلتها باستخدام حق النقض “الفيتو”.
– ضمان حصول الأطفال وغيرهم من المدنيين على المساعدات المنقذة للحياة والاحتياجات الأساسية، وإعطاء الأولوية للعمل الإنساني والدعوة إليه، وتجنب تسييس المساعدات، والتأكد من أن العقوبات وتدابير مكافحة الإرهاب لا تمنع وصول المساعدات إلى المحتاجين.
– ضمان المشاركة الكاملة والفعالة للأطفال في جميع المنتديات العالمية والإقليمية والوطنية حيث تتم مناقشة القضايا التي تؤثر على حقوقهم ومستقبلهم، بما في ذلك الصراعات.
دعوة لإنقاذ أطفال غزة
كتبت منظمة “إنقاذ الطفولة” أحدث تقاريرها، والذي يستند إلى بيانات تغطي الفترة حتى نهاية عام 2022، في وقت يتعرض فيه قطاع غزة لعدوان إسرائيلي تضرّر بفعله مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين.
ودعت منظمة إنقاذ الطفولة جميع رؤساء الدول ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجهات الفاعلة على الأرض إلى إعطاء الأولوية للحفاظ على حياة الإنسان قبل كل شيء.
ومن خلال عريضة على الإنترنت، حملت ما يزيد عن مليون توقيع، دعت المنظمة إلى القيام بما يلي دون قيد أو شرط:
– تسهيل إيصال المساعدات المنقذة للحياة، بما في ذلك الغذاء والإمدادات الطبية والوقود واستئناف إمداد القطاع بالكهرباء والإنترنت، وضمان المرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني.
– السماح للقوافل الإنسانية بالوصول إلى مرافق الأمم المتحدة والمدارس والمستشفيات والمرافق الصحية في شمال غزة، والالتزام بحماية المدنيين والموظفين داخلها في جميع الأوقات.
– إلغاء الأوامر الصادرة عن حكومة إسرائيل للمدنيين بمغادرة شمال غزة.
– السماح للمرضى في حالة حرجة بالإخلاء الطبي للحصول على الراعابة العاجلة.
ملخص التقرير
– في عام 2022، كان حوالي 468 مليون طفل يعيشون في مناطق النزاع، بزيادة بنسبة 2.8% عن عام 2021.
– تم التحقق من 27,638 انتهاكًا جسيمًا ضد الأطفال في عام 2022، وهو أعلى مستوى على الإطلاق منذ بدء منظمة “إنقاذ الطفولة” عملها في 2005، ويمثل هذا الرقم 76 انتهاكًا في المتوسط يوميًا، بزيادة قدرها 13% عن عام 2021.
– بناء على تحليل منظمة “إنقاذ الطفولة”، كانت جمهورية الكونغو الديمقراطية هي الدولة الأكثر تأثرًا بالصراع بالنسبة للطفل في 2022، تليها مالي ثم ميانمار، وتشمل الدول الأخرى في المراكز العشرة الأولى أفغانستان، وبوركينا فاسو، ونيجيريا، والصومال، وسوريا، وأوكرانيا، واليمن.
– تضم منطقة الشرق الأوسط أعلى نسبة من الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراع حول العالم، حيث يعيش ثلث الأطفال بها في مناطق نزاع مسلح.
– ارتفع عدد الحالات المؤكدة لتجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل القوات والجماعات المسلحة بنسبة 20% منذ عام 2021 ليصل إلى 7610 في عام 2022.
– شهد عام 2022 ارتفاعًا في حوادث منع وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها في مناطق الصراع، وهو ما حجب الخدمات الأساسية عن الأطفال، وأعاق قدرة الوكالات الإنسانية عن الإبلاغ عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال والتحقق منها.
– ارتفع عدد الهجمات المسجلة على المدارس والمستشفيات بنسبة 74% في عام واحد، من 1,323 في عام 2021 إلى 2,308 في 2022.
– ينبغي على المجتمع الدولي والدول والجماعات المسلحة وجميع أصحاب المصلحة الآخرين إعطاء الأولوية لزيادة الجهود لحماية الأطفال في النزاعات المسلحة، من خلال الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وسد الفجوة في تمويل حماية الطفل.