يلحق الجفاف دمارًا هائلًا بكوكب الأرض، ويتسبب في عواقب بعيدة المدى على النظم البيئية والاقتصادات وحياة البشر، وعلى عكس الكوارث الأخرى التي تجتذب اهتمام وسائل الإعلام، فإن حالات الجدب غالبًا ما تحدث في صمت، وتمر دون أن يلاحظها أحد، وتفشل في إثارة استجابة لمواجهتها، مما يترك المتضررين يتحملون عواقبها في عزلة.
أصدرت منظمة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر تقريرًا عن الجفاف العالمي في عام 2023، يستعرض التأثيرات الحالية للجفاف وعواقبه، مع عرض طرق التكيّف وإنقاذ الأرض من مصير مأسوي، قد يلحق بسكانها ما لم يتم التعامل بجدية مع هذه الظاهرة.
الوضع العالمي
يعد البشر مسؤولين عن جميع أشكال الاحتباس الحراري على مدى المائتي عام الماضية، مما أدى إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض حاليًا بمقدار 1.1 درجة فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو ما أدى إلى زيادة وتيرة حدوث الظواهر الجوية الخطيرة، بما في ذلك الجفاف.
استنادًا إلى البيانات التي جمعتها منظمة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر من 101 دولة طرف في الاتفاقية، يعاني 1.84 مليار شخص من الجفاف، منهم 4.7% معرضون للجفاف الشديد.
ووفقًا للبنك الدولي، يعيش 85% من الأشخاص المتضررين من الجفاف في البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض.
ومقارنة بالرجال، فإن النساء والأطفال أكثر عرضة للوفاة بسبب الكوارث الناجمة عن المناخ بما يزيد عن 14 مرة، كما أنها تشكل تهديدًا مباشرًا لحياة الفئتين فيما يتعلّق بالسلامة، خاصة في حالات النزوح.
وحسب برنامج الأغذية العالمي، خلّف الجفاف المستمر حوالي 23 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في جميع أنحاء القرن الأفريقي.
وفي أوروبا، بسبب أن القارة العجوز شهدت أحر صيف لها في عام 2022، كانت أكثر مناطق العالم تأثرًا بالجفاف، حيث ارتفعت مساحة الأراضي التي تعاني الجدب من 167 ألف كيلومتر مربع بين عامي 2000 و2022 إلى 630 ألف كيلومتر مربع.
وكشف مؤشر “بالمر” للجفاف أن الجفاف الشديد أثر على حوالي 5% من الولايات المتحدة في منتصف 2023، وفي أمريكا الجنوبية، كانت ظروف الجفاف في حوض لابلاتا في البرازيل والأرجنتين في عام 2022 هي الأشد حدة منذ عام 1944، مما أثر على الزراعة عن طريق تقليل إنتاج المحاصيل والتأثير على أسواق الغذاء العالمية.
وبالنسبة لقارة آسيا، تشير التوقعات أن مدة حالات الجفاف المعتدلة والشديدة والحادة ستتضاعف في الصين بحلول نهاية القرن الحالي، وستزيد شدتها بنسبة 80%.
كيف يتأثّر العالم بالجفاف؟
يؤثر الجفاف على مناحي مختلفة من الحياة، على فيضرّ بالنظم البيئية واقتصادات الدول، فيتضرّر البشر بشكل عام.
فيما يخص النظم البيئية، فقدت الأنهار الجليدية في منطقة الجبال العالية بآسيا قدرًا كبيرًا من كتلتها على مدار الأربعين عامًا الماضية، وتسارعت هذه الخسارة في 2022.
وفي أفريقيا، فقدت منطقة جنوب القارة 33% من أراضي الرعي بحلول عام 2022، مع فقدان 11% من الغطاء النباتي، وتلوّثت مياه الشرب بشدة.
وانخفض منسوب المياه الجوفية في أمريكا الشمالية، خاصة في الوادي المركزي بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
ومن المتوقع أن تتضاعف خسائر الغابات في دول أوروبا المطلة على البحر الأبيض المتوسط بمقدار 3 أضعاف حال ارتفاع متوسط درجات الحرارة إلى 3 درجة مئوية.
ووفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، انخفضت مستويات مياه نهر اليانغتسي في الصين بشكل قياسي مما يؤثر سلبًا على حوالي 5 ملايين شخص.
وبالنظر للتأثير الاقتصادي، نجد أن المخاطر المرتبطة بالجفاف أدت إلى خسائر مالية تزيد عن 70 مليار دولار في قارة أفريقيا خلال الخمسين عامًا الماضية.
وفي الأرجنتين بأمريكا الجنوبية، من المتوقع أن يكون إنتاج فول الصويا في 2023 أقل بنسبة 44% من متوسط السنوات الخمس السابقة.
وخلال صيف 2022، وبسبب انخفاض منسوب المياه في نهر الراين، اضطرت بعض السفن الأوروبية إلى الإبحار بحمولات تبلغ 25% من طاقتها فقط.
كما خسرت شركات شحن أمريكية حوالي 20 مليار دولار نتيجة إغلاق بعض الطرق البحرية في نهر المسيسيبي، مما أعاق السفن للوصول لوجهاتها.
حلول الأزمة
بدون اتخاذ إجراءات من شأنها المساهمة في الحد من الأزمة، يمكن أن تتضاعف مساحة الأرض والبشر الذين يواجهون حالات الجفاف الشديد من 3% خلال الفترة من 1976 إلى 2005 إلى 8% بحلول أواخر القرن الحادي والعشرين، وفقًا للبنك الدولي.
ولتجنّب هذه التداعيات، يشير التقرير أن التنمية المستدامة من شأنها أن تقلّل من خطر تعرض البشر للجفاف بنسبة 70% مقارنة بالتنمية المعتمدة على الوقود الأحفوري.
ويتعين على الدول اتخاذ إجراءات لتخزين مياه الأمطار ثم إعادة استخدامها في أوقات الجفاف، حيث أنه يتم امتصاص 50% من مياه الأمطار في التربة بالمناطق الريفية، في مقابل 15% فقط تدخل إلى الأرض في المناطق الحضرية.
كما ينصح التقرير بالنظر إلى الخيارات المرتبطة بالقضاء على الفقر، من خلال إصلاح النظام المالي الدولي، لانتشال من 3 إلى 4 مليارات شخص من الفقر، ومعالجة عدم المساواة، من خلال ضمان حصول أعلى 10% من السكان على أقل من 40% من الدخل القومي.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي الانتقال من التركيز على الحلول القائمة على التقنية لمعالجة أزمة المناخ إلى الحلول القائمة على الطبيعة، والتي من شأنها أن تساهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 25%.
وأشار التقرير إلى مجموعة من الالتزامات التي يتعين فرضها، مثل استبدال نصف المنتجات الحيوانية من اللحوم والحليب ببدائل أكثر استدامة، والاعتماد بشكل أكبر على الري بالتنقيط، الذي يؤدي إلى تقليل هدر المياه.
ملخص التقرير
– يعاني 1.84 مليار شخص من التصحر في 101 دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، 4.7% معرضون للجفاف الشديد.
– يعيش 85% من الأشخاص المتضررين من الجفاف في البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض.
– كانت أوروبا أكثر مناطق العالم تأثرًا بالجفاف في عام 2022، حيث ارتفعت مساحة الأراضي التي تعاني الجدب من 167 ألف كيلومتر مربع بين عامي 2000 و2022 إلى 630 ألف كيلومتر مربع.
– فقدت بلدان جنوب قارة أفريقيا 33% من مساحة أراضي الرعي بحلول عام 2022، مع فقدان 11% من الغطاء النباتي.
– أدت المخاطر المرتبطة بالجفاف إلى خسائر مالية تزيد عن 70 مليار دولار في قارة أفريقيا خلال الخمسين عامًا الماضية.
– من المتوقع أن تتضاعف مساحة الأرض والبشر الذين يواجهون حالات الجفاف الشديد من 3% خلال الفترة من 1976 إلى 2005 إلى 8% بحلول أواخر القرن الحادي والعشرين.
– يمكن للتنمية المستدامة تقليل خطر تعرض البشر للجفاف بزيادة بنسبة 70% مقارنة بالتنمية المعتمدة على الوقود الأحفوري.
– الحلول القائمة على الطبيعة من شأنها أن تساهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 25% مقارنة بالحلول القائمة على التقنية.
– يتعين على الدول تخزين مياه الأمطار بكفاءة أكبر، حيث أنه لا يتم امتصاص سوى 50% منها في التربة بالمناطق الريفية، و15% فقط بالمدن.