تتفاقم مشكلة تغيّر المناخ عامًا بعد عام، ويظهر أثر الاحترار العالمي واضحًا على عديد المجالات، ومع ذلك، لا تسير كل الدول بالشكل المطلوب في طريق التخفيف من هذه الظاهرة، عبر التقليل من الانبعاثات الكربونية، بما يهدد صلاحية كوكبنا للعيش خلال عقود قادمة.
وعلى الرغم من نشر قدر هائل من الأبحاث حول التكنولوجيا والابتكار لمواجهة تحديات المناخ في السنوات الأخيرة، لم يتم إحراز التقدّم المأمول؛ لأننا لم نصل بعد إلى الحاجة لهذه الحلول المتقدمة.
في ديسمبر 2023، أصدت المنظمة العالمية للملكية الفكرية “WIPO”، الطبعة الثانية من كتاب “التكنولوجيا الخضراء”، في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ “COP28″، الذي استضافته دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
يحاول هذا الكتاب سد الفجوة بين المطلوب حاليًا من ابتكارات في مجال التخفيف من آثار تغير المناخ وما هو متاح للتنفيذ العملي، مع التركيز على القطاعات الرئيسية، بما في ذلك الصناعة والزراعة واستخدام الأراضي والمدن.
تقنيات لإزالة الكربون من المدن
لا تغطي المدن سوى نسبة صغيرة من سطح كوكبنا، ومع ذلك فهي تولّد ما بين 50% إلى 80% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، وتستهلك ما يقرب من 75% من الموارد المالية العالمية، لذا يتعين الاعتماد على مجموعة من التقنيات الفعالة لتخفيف هذا الضرر، وتشمل:
الوقود البديل وابتكار المواد:
تشهد العديد من المدن اتجاهًا نحو الاعتماد على المركبات الكهربائية، بما يشمل السيارات والحافلات والدراجات البخارية، وهنا تأتي الحاجة للاستثمار في الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير البطاريات التي يتم شحنها بشكل أسرع وتعمل لفترة أطول.
وهناك فرص كبيرة للاستثمار في المواد التي تساعد في تقليل استهلاك المركبات للطاقة، مثل تقنية ألياف الكربون، والفولاذ عالي القوة لجعل وزن السيارة أقل.
المدن المدمجة والتنقل الذكي:
قد لا تكون التدخلات على مستوى المركبات وحدها كافية لإزالة الكربون من قطاع النقل، لذا تبرز الحاجة إلى تقنيات المدن المُدمجة، والتي توفّر فرصًا أكبر للمشي وركوب الدراجات ووسائل النقل العام.
حلول مشكلة التبريد:
يزيد الاحترار العالمي من حاجة سكان عدد كبير من المدن إلى التبريد، ولكن استخدام الطاقة اللازمة لتشغيل الآلات الخاصة بتبريد الهواء تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.
يتجه العالم في هذا المجال إلى الحلول القائمة على الطبيعة، مثل المناطق الخضراء والممرات المائية، مع تجنب تقنيات التبريد الأكثر استهلاكًا للطاقة.
إعادة التدوير:
في الوقت الحاضر، يتم التعامل مع الكم الأكبر من النفايات بدفنها في أماكن مفتوحة، وهو ما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، عندما تتحلل المواد العضوية.
لتجنب ذلك، ينبغي الاعتماد على أجهزة الاستشعار والتقنيات الرقمية لتحسين جمع النفايات وفصلها، والاتجاه إلى تقنيات إعادة التدوير البديلة، التي تحول النفايات البلاستيكية إلى زيوت ووقود.
الزراعة كمُسبّب للاحتباس الحراري
تأتي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن النشاط البشري من مصدرين رئيسيين، هما الوقود الأحفوري، واستخدام الأراضي وإدارتها.
وفي حين أن الوقود الأحفوري يولّد حوالي 10 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا، تشير التقديرات إلى أن استخدام الأراضي يمثّل ما بين 1 إلى 2 جيجا طن من الانبعاثات، وهو ما يعادل 11% من الإجمالي.
وفقًا لكتاب التكنولوجيا الخضراء، يهدّد استهلاك الغذاء العالمي بإضافة ما يقرب من درجة مئوية واحدة إلى درجة حرارة الكوكب بحلول عام 2100.
ويعزى ثلاثة أرباع هذه الزيادة إلى مصادر انبعاث غاز الميثان العالية، الناتجة عن الماشية.
وينقل الكتاب على دراسة حديثة أنه يمكن تجنب ما يصل إلى 55% من تأثير الاحترار هذا من خلال ممارسات زراعية أفضل، وتغيير العادات الغذائية للناس، وتقليل هدر الطعام.
وبحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، توفر الزراعة ثاني أكبر حصة من إمكانات تخفيف انبعاثات الكربون، بما يقدّر بـ 4.1 جيجا طن سنويًا في المتوسط.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال خفض انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن العمليات الهضمية للماشية، بإطعامها أعلاف مُخصّصة لهذا الغرض، وإرشاد الناس إلى الاعتماد على الأنظمة الغذائية النباتية، واللحوم المستنبتة في المعامل.
وبالإضافة إلى ذلك، يتوجب الابتعاد عن أسلوب الحراثة في زراعة التربة لتجنب نشر الكربون المخزن فيها، والاعتماد على تقنيات حديثة، مثل مثقاب البذور الإلكترونية.
الصناعة مُحرّك أساسي لزيادة الأزمة
يعد الصلب والأسمنت مسؤولين عن حوالي نصف إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة الصناعية وما يقرب من 14% من الانبعاثات في جميع أنحاء العالم.
ومع تزايد عدد السكان في جميع أنحاء العالم، يرتفع الطلب على الصلب والأسمنت في صناعتي البناء والنقل، وهو ما يستوجب الاعتماد على التقدم التقني للتخفيف من آثار تغير المناخ.
ولهذه الأسباب تبرز الحاجة إلى استخدام مواد البناء الحديثة وخفيفة الوزن ومنخفضة الكربون، والنمذجة الحاسوبية لتصميم الأبنية الذكية؛ للحد من إهدار الموارد.
ويؤدي الاستخدام المتزايد لأفران إنتاج الفولاذ باستخدام الكهرباء بدلًا من الوقود الأحفوري إلى زيادة معدل إعادة تدوير الخردة، حيث يمكن تغذيتها بالفولاذ المعاد تدويره.
ويمثل استخدام أنواع الوقود الأنظف الاستراتيجية الأكثر تأثيرًا للتخفيف من تغير المناخ بالنسبة للصناعة، وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر، التي تصل قدرته على خفض الانبعاثات إلى 97%.
وفي قطاع الأسمنت، ينبغي على المصانع الاعتماد على أنواع وقود بديلة مثل الزيوت المستعملة وأنواع النفايات الأخرى، وهو اتجاه آخذ في الارتفاع، حيث حققت دولة مثل ألمانيا ما يقرب من 70% من استخدام الوقود البديل في هذه الصناعة.
ملخص التقرير
– يعني التركيز أكثر من اللازم على التقنيات المتقدمة المستقبلية المرتبطة بالتغير المناخي تفويت فرصة الاستثمار في الحلول المتوفرة لدينا الآن وتنميتها.
– يعيق الاعتماد على الوقود الأحفوري فعالية تكنولوجيات المناخ، إذ تواجه البلدان التي تعتمد عليه لتوليد الكهرباء تحديات في التنفيذ المستدام للتكنولوجيات القائمة على الطاقة الكهربية، مثل السيارات الكهربائية والمضخات الحرارية والهيدروجين الأخضر، ويعد التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري شرطًا مسبقًا لنجاح العديد من التقنيات المناخية.
– تساهم التقنيات التي تتيح التصميم الأكثر ذكاءً للمدن والمباني وطرق النقل والأنظمة الغذائية في تحقيق اقتصاد أكثر دائرية وتخفيف الانبعاثات.
– يعتمد النجاح في استيعاب تكنولوجيا المناخ على فهم احتياجات المستخدمين، وهو ما يتطلب جمع آراء أصحاب المصلحة بما في ذلك المزارعين والشباب والمجموعات الأخرى.
– يؤدي بطء اعتماد تكنولوجيات المناخ والفرص التمكينية المتاحة لها إلى زيادة مخاطر انبعاثات الكربون.
– تركز العديد من الابتكارات الحالية لإزالة الكربون في القطاعات التي يصعب تخفيفها مثل الصلب والأسمنت على أساليب تقلّل الانبعاثات فقط.
– تنطوي التغييرات في الممارسات الزراعية واستخدام الأراضي على إمكانات كبيرة لتقليل الانبعاثات، ومن الممكن أن تدعم تقنيات مثل التصوير عبر الأقمار الصناعية والمواد المضافة إلى أعلاف الماشية الممارسات المستدامة، ولكن اعتمادها على نطاق واسع يعتمد على الجدوى الاقتصادية ودعم السياسات.
– غالبًا ما تكون تقنيات المناخ الحالية مكلفة ولا يمكن الوصول إليها في العديد من المناطق، لذا يجب ضمان توجيه نسبة من الاستثمارات إلى الدول المحتاجة.