شهدت الحرية على الإنترنت انخفاضًا عالميًا للعام الثالث عشر على التوالي، حيث اشتد القمع الرقمي في مناطق مختلفة حول العالم، بالاستعانة بالصعود السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وفي حين أن التقدم الذي تم إحرازه في مجال الذكاء الاصطناعي أفاد البشرية كثيرًا على مستوى العلوم والتعليم، فإنه ساعد أيضًا في زيادة سرعة وكفاءة القمع الرقمي، ومكّن أنظمة حكومية من إحكام الرقابة على الإنترنت بشكل موسّع.
أصدرت المنظمة غير الحكومية بالولايات المتحدة “Freedom House”، المتخصصة في بحوث الديمقراطية وحقوق الإنسان، الدراسة السنوية للحرية على الإنترنت؛ لتقييم حقوق الإنسان الرقمية في 70 دولة، في الفترة بين يوليو 2022 ومايو 2023.
وفي هذا التقرير، نستعرض درجة حرية الإنترنت للدول محل الدراسة، على مؤشر يتعلق بعوائق الوصول إلى الشبكة، والقيود على المحتوى، وانتهاكات حقوق المستخدم، إلى جانب تسليط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في زيادة القمع الرقمي.
تقييم حرية الإنترنت عالميًا في 2023
من بين 70 دولة يغطيها التقرير، تدهورت أوضاع حقوق الإنسان على الإنترنت في 29 دولة مقارنة بالعام الماضي، في حين سجّلت 20 دولة فقط تقدمًا في هذا المجال.
وبالنظر إلى أن الـ 70 دولة محل الدراسة تمثّل 88% من مستخدمي الإنترنت حول العالم، وجدت منظمة “Freedom house” أن 17% فقط من سكان هذه البلدان يتمتعون بالحرية الكاملة على الإنترنت.
ووجدت الدراسة أن 35% من بين نسبة الـ 88% يتمتعون بحرية جزئية، بينما يستخدم 36% الإنترنت بقيود شديدة، ولا توجد بيانات تغطّي نسبة الـ 12% المتبقية.
قيود على الحرية في استخدام الإنترنت
تعرض عدد كبير من مستخدمي الإنترنت حول العالم لموجات قمع على مدى فترة الدراسة، حيث رصدت منظمة “Freedom house”، أنه بعد وفاة الإيرانية جينا ماهسا أميني أثناء حبسها، في سبتمبر 2022، وهو ما أثار احتجاجات كبيرة على مستوى البلاد، قيّدت لسلطات الاتصال بالإنترنت، وحظرت تطبيقات للتواصل، مثل “WhatsApp” و”Instagram”.
وفي الصين، حُكم على المُدوّن شو تشيونغ بالسجن لمدة 14 عامًا في أبريل 2023، بسبب الانتقادات لإدارة الدولة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، ومناقشة البرلمان لتشريع قانون يسمح للرئيس شي جين بينغ بالترشح لفترة رئاسية ثالثة.
وبينما كان مستخدمو الإنترنت في ميانمار يعبّرون عن دعمهم لحركة المقاومة الديمقراطية، وحزنهم على ضحايا عنف المجلس العسكري الذي أعقب الاستيلاء على السلطة في 2021، استخدم الجيش مجموعات “Telegram” لتبادل المعلومات عن المعارضين، مما سمح للسلطة بتحديد هوياتهم واحتجازهم.
وسجّل العام 2023 مستوى قياسيًا في عدد الدول التي واجه مواطنوها عواقب قانونية للتعبير عن آرائهم عبر الإنترنت، والذي بلغ 55.
وشهد العام الجاري ارتفاعًا في عدد البلدان التي تعتقل فيها السلطات النشطاء عبر الإنترنت ويفرضون عليهم أحكامًا بالسجن، ففي بيلاروسيا على سبيل المثال، حكمت محكمة على مارينا زولاتافا وليودميلا تشيكينا، وهما رئيسة ومديرة تحرير أكبر وسيلة إعلامية مستقلة في البلاد “Tut.By”، بالسجن 12 سنة.
إجمالًا، يعيش 78% ممن لديهم إمكانية الوصول للإنترنت حول العالم في بلدان تعاقب بالسجن من ينشر محتوى يتعلق بقضايا سياسية أو اجتماعية أو دينية.
وبحسب الدراسة، يعيش 67% في بلدان تعرض فيها أشخاص للتعدّي البدني أو القتل بسبب نشاطهم على الإنترنت، فيما 66% يعيشون في دول تحظر المواقع بسبب نشر المحتوى السياسي أو الاجتماعي أو الديني.
تصنيف الدول على مؤشر حرية الإنترنت 2023
كشفت نتائج الدراسة عن تقييم الدول على مؤشر حرية الإنترنت، اعتمادًا على اعتبارات تتعلق بإمكانية الوصول للمحتوى، والقيود على نشر المعلومات، والانتهاكات لحقوق المستخدم.
على مؤشر تقييم من 100، حصدت آيسلندا المرتبة الأولى كالبلد الأكثر ضمانًا لحرية استخدام الإنترنت حول العالم بـ 94 درجة، تليها إستونيا في المركز الثاني بـ 93 درجة، ثم كندًا ثالثًا بـ 88 درجة، وكوستاريكا رابعًا بـ 85 درجة، والمملكة المتحدة خامسًا بـ 79 درجة.
وتواجدت دول تايوان وألمانيا واليابان وأستراليا وفرنسا في المراكز من السادس إلى العاشر على الترتيب.
واحتفظت الصين بلقب أقل دول العالم على مستوى حرية الإنترنت للعام التاسع على التوالي بتقييم 9 درجات فقط على المؤشر، تسبقها ميانمار بـ 10 درجات، وإيران 11 درجة، وكوبا 20 درجة، وروسيا 21 درجة.
الذكاء الاصطناعي كأداة لقمع الحريات
كشف التقرير أن الأنظمة الآلية المعتمدة على التطوّر في تقنيات الذكاء الاصطناعي مكّنت بعض الحكومات حول العالم من إجراء أشكال أكثر دقة وفعالية من الرقابة على الإنترنت.
وأوضح التقرير أن مروّجي المعلومات المضللة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما يشمل الصور والتسجيلات الصوتية والنصوص، أصبحت مهامهم في تشويه معارضي السياسات المحلية أسهل.
وأضاف التقرير أن الأنظمة الحكومية أصبحت تستخدم الذكاء الاصطناعي في مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة بحثًا عن المعارضين، مثل التطبيقات المستخدمة للتعرف على هويات المتظاهرين.
وأفاد التقرير أن هذه التقنيات أصبحت تشكّل تهديدًا خطيرًا، حيث انخفضت حرية الإنترنت العالمية في 2023 مقارنة بالعام السابق، فمن خلالهها، لجأت الحكومات في 41 دولة إلى فرض الرقابة على المحتوى السياسي أو الاجتماعي أو الديني.
ودعا التقرير صناع السياسات الديمقراطيين إلى إنشاء رؤية تنظيمية لتصميم ونشر أدوات الذكاء الاصطناعي التي ترتكز على معايير حقوق الإنسان والشفافية والمساءلة.
ملخص التقرير
– انخفضت الحرية على الإنترنت حول العالم في 2023 للعام الثالث عشر على التوالي.
– سجّلت إيران أكبر معدّل تراجع في مستوى حرية استخدام الإنترنت هذا العام.
– احتفظت الصين بصدارة تصنيف أقل الدول في حرية استخدام الإنترنت للعام التاسع على التوالي في 2023.
– آيسلندا هي الدولة الأعلى تقييمًا على مستوى العالم في مؤشر حرية الإنترنت، بتحقيق 94 درجة من 100.
– في 55 من أصل 70 دولة يغطيها تقرير حرية الإنترنت، واجه أشخاص عواقب قانونية للتعبير عن الرأي.
– في 41 دولة، تعرَض أشخاص للاعتداء الجسدي أو القتل بسبب نشاطهم على الإنترنت.
– تراجع مستوى حرية الإنترنت في 29 دولة، في حين أحرز 20 بلدًا فقط تقدمًا في هذا المجال.
– 17% فقط من سكان العالم الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت يتمتعون بالحرية الكاملة في استخدامه.
– ساعد التطوّر في تقنيات الذكاء الاصطناعي بعض الحكومات في إحكام الرقابة على الإنترنت، وسهّل عليها تتبع وملاحقة المعارضين.