يواجه العالم تهديدًا خطيرًا في المستقبل القريب، يتعلّق بتغيّر المناخ، حيث تتزايد معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يقرّبنا من أن نشهد الكوكب وقد أصبح أكثر دفئًا، بمستويات ستتغيّر معها جميع أشكال الحياة.
وليست المملكة بمنأى عن التأثيرات المناخية، والتي تشمل الأنظمة البيئية والبحرية، والأمن المائي والغذائي، وقابلية العيش في المناطق الحضرية، والنشاط الصناعي والاقتصادي، وصحة الإنسان ورفاهيته.
ومن أجل الوقاية من هذه المخاطر، أصدر مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية، تقريرًا لدراسة التحديات المناخية الوشيكة التي تواجه المملكة، ووضع استراتيجيات للتكيّف مع التغيرات المحتملة والتخفيف من أضرارها.
حاضر ومستقبل المناخ العالمي
بعد أن بلغ متوسط انبعاثات الغازات الدفيئة المُسبّبة لظاهرة الاحتباس الحراري في العالم أعلى مستوياته في تاريخ البشرية خلال العقد الماضي، عقدت الدول اتفاقًا في باريس عام 2015؛ لإبقاء الزيادة في درجات الحرارة العالمية تحت مستوى أقل من درجتين مئويتين.
وتعزى زيادة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، إلى حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء والتدفئة والتبريد وتشغيل وسائل المواصلات.
ورغم إبرام تلك الاتفاقية، والاجتماعات السنوية لمؤتمر الأطراف “COP”، فإن انبعاثات الغازات الدفيئة لم تتراجع إلى المستويات المطلوبة، وتشير تقديرات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “UNFCCC” إلى أن الالتزامات الحالية لدول العالم ستزيد الانبعاثات بنسبة 10.6% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات 2010.
وبحسب الاتفاقية، ستؤدي الجهود الحالية للدول إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى حوالي 2.7 إلى 3.2 درجة بحلول نهاية القرن الحالي.
مناخ المملكة: الوضع الحالي والتوقعات المستقبلية
يُصنّف مناخ المملكة على أنه “صحراوي حار”، حيث تتجاوز درجات الحرارة في الصيف 40 درجة مئوية في كثير من الأحيان، بينما هطول الأمطار متقطّع، ويكون غالبًا بين نوفمبر ومايو.
وتعتبر جبال عسير الواقعة في جنوب غرب البلاد استثناءً، فتؤدي التضاريس إلى طقس أكثر برودة، حيث أن درجة الحرارة تنخفض إلى أقل من 0 درجة مئوية في الشتاء، وتشهد المنطقة هطول أمطار أكثر تواترًا.
ومثل جميع مناطق العالم، شهدت المملكة ارتفاعًا في متوسط درجات الحرارة خلال القرن الماضي.
وخلال العقود الأربعة الماضية فقط، ارتفعت درجات الحرارة في شبه الجزيرة العربية بما يعادل ضعف المستوى العالمي، بسبب المساحة الأرضية الضخمة التي بها إمدادات محدودة من المياه اللازمة للتبخير.
ارتفعت درجة الحرارة في المملكة بين عام 1979 و2019 بـ 0.48 درجة مئوية، وسجّلت الرياض أعلى ارتفاع بـ 2.79 درجة مئوية.
وسجّلت مكة المكرمة ارتفاعًا بمعدل 2.28 درجة مئوية خلال نفس الفترة، في مقابل 1.88 درجة مئوية للدمام، و1.57 درجة لجدة.
ووفقًا لتقديرات علماء المناخ، سيؤدي ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة إلى زيادة بـ 4.4 درجة مئوية في شبه الجزيرة العربية، بحلول نهاية القرن الحالي.
توقّعات تأثير التغيّر المناخي على المملكة
حدّد التقرير مجموعة التأثيرات الرئيسية والأكثر خطورة على المملكة نتيجة للتغيّر المناخي، وهي كالتالي:
– زيادة درجات الحرارة: تشهد المملكة درجات حرارة أعلى من المتوسط العالمي، وقد يفاقم تغيّر المناخ هذه الظاهرة، كما يمكن أن يؤدي هذا الارتفاع إلى مشكلات صحية مرتبطة بالحرارة، وانخفاض الإنتاجية الزراعية، وزيادة الطلب على الطاقة لأغراض التبريد.
– ندرة المياه: تعتبر المملكة من الدول التي تعاني من الندرة في الموارد المائية، وسيؤدي تغير المناخ إلى ضغط إضافي على توفير الإمدادات، نتيجة للتغيرات في سلوك التبخير وانخفاض معدلات هطول الأمطار.
– ارتفاع مستوى سطح البحر: تتمتع المملكة بساحل طويل على البحر الأحمر والخليج العربي، وفي حال حدوث أي ارتفاع في مستويات سطح البحر بسبب تغير المناخ، سيرتفع خطر حدوث الفيضانات، وتآكل الشواطئ، وتدمير البنية التحتية بسبب العواصف، وتسرّب المياه المالحة لى طبقات المياه الجوفية الساحلية.
– تأثّر النظم البيئية: يؤثّر تغير المناخ على النظم البيئية البرية والبحرية، وبينما تضم المملكة بيئة فريدة، يمكن أن تؤدي التيرات في درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار إلى تغيرات في الغطاء النباتي، وتعطيل أنماط هجرة الحياة البرية، وزيادة خطر التصحر.
– الطلب على الطاقة: المملكة هي منتج ومستهلك ومصدّر رئيسي للنفط، وإلى جانب النمو السكاني المتوقع، سيؤثر تغير المناخ على أنماط الطلب على الطاقة، مما قد يؤثر على صادرات المملكة واستخدام الطاقة داخليا واقتصاد البلاد ككل.
– ضعف سلسلة الإمداد الغذائي: تعتمد دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المملكة، على الواردات لتحقيق الأمن الغذائي، وفي حين أن التغيرات المناخية من شأنها أن تؤثر على الإمدادات الغذائية العالمية من الشركاء التجاريين التقليديين، يمكن أن تنخفض الغلّة المحلية وترتفع أسعار السوق العالمية.
– الصحة العامة: تهدد التغيرات المناخية صحة الإنسان، حيث الزيادة في درجات الحرارة تؤدي إلى مشكلات صحية مباشر، مثل ضربة الشمس، وزيادة أمراض القلب والجهاز التنفسي والسرطانات، وانتشار التهابات الجهاز التنفسي الفيروسية، وزيادة الإصابة بالأمراض المنقولة بالنواقل مثل حمى الضنك.
حلول التأثيرات المحتملة لأزمة المناخ في المملكة
لمعالجة التأثيرات المتعلقة بالمناخ، بدأت المملكة بالفعل في اتخاذ خطوات للتخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخي، تتعلق بتنويع الاقتصاد، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز الحفاظ على المياه، والمشاركة في الحوارات والاتفاقات المناخية الدولية للتعرف على أفضل الممارسات التي من شأنها دفع الخطر.
واقترح التقرير مجموعة من الحلول للتحديات المذكورة، والتي تتمثل في:
– النظم البيئية البرية والبحرية: الاستثمار في الأبحاث والأساليب المبتكرة لترميم وإعادة تأهيل وحماية النظم البيئية، وتنفيذ استراتيجيات المراقبة طويلة المدى لتتبع تغييرات الاستجابة لتغير المناخ، مع إنشاء مناطق محمية برية وبجرية، وعمل حملات توعية بيئية لإشراك الجمهور في المسؤولية، وتطبيق حوافز اقتصادية لقطاع الأعمال والصناعة لمنح الأولوية للحلول المستدامة.
– الأمن الغذائي والمائي: تنفيذ سياسات تضمن توفير المياه، وتنويع مصادر الإمدادات الغذائية، وتطبيق الزراعة الذكية، وإدارة النفايات الغذائية بفعالية.
– النظم الحضرية وقابلية العيش: اعتماد أنظمة طاقة مقاومة لتغيّر المناخ، واستراتيجيات تبريد فعالة، وإنشاء بنية تحتية قادرة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة، والاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر وخطط الإخلاء.
– الطاقة والصناعة: تنويع مصادر الطاقة، بالاعتماد على الطاقة النووية والهيدروجين النظيف والوقود البديل، واستمرار الاستثمار في الاعتماد على الكهرباء، وإزالة الكربون من أنظمة الطاقة.
– الصحة: الحد من استخدام المركبات الشخصية، وزيادة المساحات الخضراء، والاستثمار في تصميم المباني الموفرة للطاقة، وإجراء دراسات للبحث في العلاقة بين تغير المناخ والأمراض المزمنة بشكل أفضل.
ملخص التقرير
– تشير تقديرات الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أن الممارسات الحالية للدول ستزيد انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 10.6% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات 2010.
– يستبعد العلماء أن تتحقق مستهدفات اتفاقية باريس لعام 2015، بالإبقاء على درجات الحرارة عند مستوى أعلى بـ 1.5 درجة، مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، حيث لن تؤدي الجهود الحالية للدول إلا إلى الإبقاء على الارتفاع بين 2.7 و3.2 درجة مئوية، بنهاية القرن الحالي.
– ارتفعت درجة الحرارة في المملكة بين عام 1979 و2019 بـ 0.48 درجة مئوية في كل عقد.
– سجّلت الرياض أعلى ارتفاع في درجات الحرارة بين مناطق المملكة على مدى العقود الأربعة الماضية، بمعدل 2.79 درجة مئوية.
– سيؤدي ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة إلى زيادة بـ 4.4 درجة مئوية في شبه الجزيرة العربية.
– يتمثّل تأثير التغير المناخي على المملكة في زيادة درجات الحرارة، وندرة المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتأثر النظم البيئية، وضعف سلسلة الإمداد الغذائي، والتغيّر في الطلب على الطاقة، وتهديد الصحة العامة.
– تشمل أهم المعالجات لتأثيرات تغير المناخ على المملكة في تنفيذ الحلول المستدامة، وحماية البيئة البرية والبحرية، وتوفير المياه، والاعتماد على الزراعة الذكية.