يشهد السباق نحو استكشاف القمر منذ عقود اهتمامًا متزايدًا من عدة دول لإثبات تفوقها وريادتها في المجال، الذي بات على صلة بالعديد من العلوم الأخرى وبابًا لتطوير المعرفة العلمية.
وتتربع الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق “روسيا حاليًا” والصين على عرش غزو الفضاء بتفرد منذ منتصف القرن الماضي، بمجموعة من المهمات الناجحة وشبه الناجحة.
ولكن الهند انطلقت لتفسح لنفسها موقعًا في المشهد بعد أن أنزلت مركبتها Chandrayaan-3 (تعني مركبة القمر باللغة السنسكريتية) غير المأهولة على القطب الجنوبي للقمر في 23 أغسطس الماضي.
… … and here is how the Chandrayaan-3 Rover ramped down from the Lander to the Lunar surface. pic.twitter.com/nEU8s1At0W
— ISRO (@isro) August 25, 2023
“يوم تاريخي”
بهذا الوصول السلس، باتت الهند أول دولة تصل إلى منطقة القطب الجنوبي من القمر، لتخطف الانتصار من المركبة الروسية “لونا -25” والتي كان من المرجح أن تحظى بهذا اللقب لولا فشل مهمتها أواخر شهر أغسطس.
وتحطمت المركبة، والتي تُعد الأولى التي يرسلها الدب الروسي إلى الفضاء من عام 1976، نتيجة اصطدامها بسطح القمر.
هذا النجاح دفع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لوصفه بأنه “يوم تاريخي”، إذ كان بمثابة قبلة الحياة للبرنامج الفضائي الهندي الذي عانى من إخفاقات على مدار السنوات الأربعة الماضية، بعد فشل مركبة الهبوط التابعة لـ Chandrayaan-2 في الهبوط في نفس المكان في عام 2019.
مراحل الإطلاق
كان الهبوط هو المرحلة الأصعب في المهمة ضمن سلسلة طويلة من الخطوات بدأت بتجهيز الصاروخ واختبار قدراته.
وفيما يلي أبرز محطات المهمة:
7 يوليو 2023 – 7 أيام قبل الإطلاق
الانتهاء من اختبار قوة الصاروخ.
11 يوليو– 4 أيام قبل الإطلاق
تم الانتهاء من الاختبارات التي تحاكي عملية الإعداد لعملية الإطلاق بأكملها وتستغرق 24 ساعة.
Chandrayaan-3 mission:
The ‘Launch Rehearsal’ simulating the entire launch preparation and process lasting 24 hours has been concluded.Mission brochure: https://t.co/cCnH05sPcW pic.twitter.com/oqV1TYux8V
— ISRO (@isro) July 11, 2023
14 يوليو– يوم الإطلاق
أطلقت منظمة أبحاث الفضاء الهندية “ISRO” صاروخ LVM3 بنجاح المركبة Chandrayaan-3 إلى مدار القمر، من ميناء الفضاء الرئيسي، في ولاية أندرا براديش الجنوبية، إلى مدار قمري بطول 100 كيلو متر.
LVM3 M4/Chandrayaan-3:
Lift-off, tracking and onboard views pic.twitter.com/eUAFShS1jA— ISRO (@isro) July 14, 2023
15 يوليو – يوم بعد الإطلاق
تم إجراء أول مناورة لرفع المدار (تغيير مكان المركبة في المدار).
22 يوليو – 8 أيام بعد الإطلاق
الانتهاء من إجراءات تغيير موقع المركبة في المدار.
5 أغسطس – 22 يومًا بعد الإطلاق
تم وضع Chandrayaan-3 بنجاح في مدار القمر كما كان مخططًا لها، في مدار 164 كم × 18074 كم.
17 أغسطس – 34 يومًا بعد الإطلاق
تم فصل وحدة الهبوط بنجاح عن وحدة الدفع.
23 أغسطس – 40 يومًا بعد الإطلاق
هبوط المركبة Chandrayaan-3 بنجاح على القطب الجنوبي من القمر، من مركبة الهبوط “فيكرام”.
28 أغسطس – 45 يومًا بعد الإطلاق
تمكنت المركبة الجوالة LIBS قياسات لتحليل التركيب العنصري لسطح القمر واكتشفت وجود الكبريت والأكسجين وعناصر أخرى.
31 أغسطس – 48 يومًا بعد الإطلاق
أداة النشاط الزلزالي القمري (ILSA) الموجودة على متن مركبة الهبوط Chandrayaan 3، تُجري اختبارات لقياس الاهتزازات على سطح القمر.
2 سبتمبر – 50 يومًا بعد الإطلاق
إطلاق مسبار لدراسة الشمس وظاهرة الشفق القطبي التي تتأثر بها الأرض نتيجة الرياح الشمسية.
Here is the brochure: https://t.co/5tC1c7MR0u
and a few quick facts:
🔸Aditya-L1 will stay approximately 1.5 million km away from Earth, directed towards the Sun, which is about 1% of the Earth-Sun distance.
🔸The Sun is a giant sphere of gas and Aditya-L1 would study the… pic.twitter.com/N9qhBzZMMW— ISRO (@isro) September 1, 2023
4 سبتمبر – 52 يومًا بعد الإطلاق
تم وضع مركبة الهبوط والمركبة الجوالة في وضع السكون بعد إتمام مهمتهما في إجراء التجارب على مدار أسبوعين، ومن المتوقع إيقاظهما في 22 سبتمبر الجاري بحسب منظمة أبحاث الفضاء الهندية.
محتويات المركبة Chandrayaan-3
*جهاز قياس الطيف الاستقطابي لكوكب الأرض المجهز للسكن SHAPE، بغرض دراسة القياسات الطيفية والاستقطابية للأرض من المدار القمري.
* أجهزة النشاط الزلزالي القمري (ILSA) لقياس الزلازل حول موقع الهبوط.
*جهاز (ChaSTE) لإجراء التجارب الفيزيائية الحرارية لسطح القمر.
Chandrayaan-3 Mission:
Here are the first observations from the ChaSTE payload onboard Vikram Lander.ChaSTE (Chandra’s Surface Thermophysical Experiment) measures the temperature profile of the lunar topsoil around the pole, to understand the thermal behaviour of the moon’s… pic.twitter.com/VZ1cjWHTnd
— ISRO (@isro) August 27, 2023
*مسبار لانجميور (LP) لتقدير كثافة البلازما وتغيراتها.
*مطياف الأشعة السينية لجسيمات ألفا (APXS)، ومطياف الانهيار المستحث بالليزر (LIBS) للحصول على التركيبة الأولية حول موقع الهبوط.
*وحدة الدفع (PM) التي قامت بنقل وحدة هبوط (LM) إلى المدار.
*الروبوت المتحرك روفر براغيان (كلمة سنسكريتية تعني الحكمة) لاستكشاف سطح القمر.
أهمية الجزء البعيد من القمر
ترجع أهمية هذه المنطقة إلى أنها غير مستكشفة، ويُشير العلماء إلى أنها غنية بالجليد المائي والذي يمكن أن يكون مصدرًا للوقود للمركبات المتجهة إلى المريخ، إلى جانب الأكسجين ومياه الشرب التي تدعم إنشاء محطة فضائية في المستقبل.
لكن خطورة المكان تكمن في تضاريسه الوعرة، التي تجعل من أي مهمة هبوط على سطحه مهددة بالخطر.
وخلال المهمة، قام الروبوت براغيان باستكشاف المعادن الموجودة على سطح القمر وجمع البيانات عن التركيب الكيميائي للتربة، والبحث عن الماء بشكل أساسي.
ميزانية المهمة
على عكس المتوقع لخطوة بهذه الصعوبة فشلت فيها دول من ذوي الخبرة في مجال الفضاء، لم تتكلف المهمة الهندية سوى ما يقرب من 75 مليون دولار فقط، بحسب وسائل إعلام محلية.
وهذا الرقم أيضًا أقل بحوالي النصف مما أنفقته وكالة الفضاء الهندية في مهمتها تشاندريان 2 في عام 2019، والذي بلغ 140 مليون دولار.
وعلى الرغم من أن الهند تحاول باستمرار رفع الميزانية الممنوحة لبرنامجها الفضائي منذ عام 2008 والذي شهد أول محاولة لوضع مسبار في مدار القمر، إلا أنها تظل متواضعة.
غزو الفضاء
انفرد الاتحاد السوفيتي بالخطوات الأولى في سباق الفضاء إذ بدأ في إطلاق الكلاب إلى الفضاء منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، حتى أطلق الكلبة لايكا في عام 1957.
وأعقب ذلك العديد من المهمات الأخرى منها في عام 1959، عندما أطلق المركبة الفضائية لونا 2 لتكون أول جسم يصطدم بالقمر، وتبعها عدد من المهمات في مدار القمر كان أهمها انطلاق رائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين إلى الفضاء في عام 1961.
ودار غاغارين حول الأرض دورة كاملة على متن المركبة “فوستوك-1″، ليكون أول شخص ينطلق إلى الفضاء، حتى أصبحت أول دولة تقوم بهبوط سلس بمركبة على سطح القمر في عام 1966.
ورغم هذه النجاحات، إلا أن الولايات المتحدة كان لديها الريادة ولا زالت في إنزال أول شخص على سطح القمر وهو نيل أرمسترونغ وإلدرين باز، من خلال مهمة أبوللو 11 الشهيرة في 16 يوليو 1969.
يوضح الجدول التالي من Statista عمليات الهبوط والاصطدام الناجحة بالقمر على حسب كل دولة:
وإجمالًا تمكنت 9 دول فقط من الوصول إلى القمر أو مداره أو محيطة، ضمن مهمات ناجحة أو شبه ناجحة، تتصدرها الولايات المتحدة بـ42 مهمة بين عامي 1959 و2022، بحسب بيانات OMG Space و Statista.
وفي المركز الثاني يأتي الاتحاد السوفياتي بـ22 مهمة بين عامي 1959 و1976، ثم الصين بـ 8 مهمات.
وبين عامي 1969 و1972، تمكّن 12 رائد فضاء أمريكي من السير على القمر.
معاهدة القمر
بشكل عام، لا توجد قوانين واضحة تنظم عملية استكشاف القمر أو حتى ملكية ما يتم اكتشافه هناك، كما أن القوانين ذات الصلة تعج بالعديد من الثغرات.
وتنص اتفاقية الأمم المتحدة للفضاء الخارجي لعام 1966، على أن القمر أو غيره من الأجرام لا تخضع لسيادة أي دولة، وأن الاستكشاف يكون بغرض تعميم الفائدة على البلدان كافة.
وفي عام في عام 1979، تم وضع معاهدة القمر وتنص هذه الاتفاقية على ضرورة استخدام القمر للأغراض السلمية ولصالح المجتمع الدولي بأسره، كما أنها تسعى إلى تجنب أن يصبح القمر مساحة للصراع الدولي.
ولكن هذه الاتفاقية لم تشهد تصديقًا من أي دولة من الدول الكبرى التي تتنافس على استكشاف القمر، سوى الهند، كما توضح الخريطة التالية.