تستحوذ الرياضة في السعودية على جزء كبير من اهتمام القيادة ومؤسسات الدولة؛ لتحسين جودة الحياة لدى كافة فئات المجتمع السنية، وتحقيق أحد أبرز مستهدفات رؤية 2030، التي ترمي إلى تحسين الرفاه البدني والاجتماعي وأساليب الحياة الصحية.
وتسعى برامج ومبادرات رؤية 2030 إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال زيادة مستويات النشاط البدني بين السكان، وتحفيز الأفراد على العيش بأسلوب حياة أكثر صحة، وتعزيز مبادئ وقيم الرياضة.
ولا تتوقف الطموحات عند هذا الحد، بل يمتد الأثر المتوقع من نمو المجال الرياضي في السعودية إلى البيئة الاقتصادية التي تشهد تطورات غير مسبوقة.
في هذا التقرير، نسلّط الضوء على التقدّم المحرز في زيادة مشاركة المواطنين في الأنشطة الرياضية، ونمو عدد الأندية الرياضية، إلى جانب التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لذلك.
تغلغل الرياضة في السعودية مستهدف
تكفّلت وزارة الرياضة السعودية بالعمل على خلق وعي رياضي وتهيئة مجتمع تسوده فعاليات النشاط البدني.
وحددت الوزارة لتحقيق ذلك مجموعة من الأهداف تتمثل في زيادة نسبة الممارسات الرياضية والأنشطة البدنية، وخلق تنافسية رياضية عالية، وتطوير كفاءة وجودة المنشآت والمرافق الرياضية.
وأطلقت الوزارة الاتحاد السعودي للرياضة للجميع، كجهة مسؤولة عن تطوير الرياضيات المجتمعية لزيادة نسبة ممارسة الأنشطة البدينة إلى 40% من سكان المملكة بحلول عام 2030.
وتعرف الرياضة البدنية بأنها أي نشاط بدني يؤدي إلى زيادة معدل نبضات القلب، ولا يلزم لممارستها بيئة مهنية.
وتدور استراتيجية الاتحاد حول بناء مجتمع نشط، لتحقيق انخفاض بنسبة 1 إلى 10% في معدل الخمول البدني للبالغين بحلول 2025.
وبخلاف البالغين، يسعى الاتحاد لإلهام الأجيال ممن تحت 18 عامًا لتبني عادات النشاط البدني في حياتهم لتعزيز ثقافتهم البدنية، وضمان تطبيق توصية الصحة العالمية بتخصيص 60 دقيقة يوميًا للنشاط البدني داخل المدارس وخارجها.
ويعمل برنامج جودة الحياة بالتوازي لوضع استراتيجيات لتطوير القطاع الرياضي، على رأسها رفع الكفاءة الوطنية، حيث قدم مبادرة للتدريب الافتراضي، استفاد منها ما يزيد عن 6 آلاف شخص منذ بداية 2021.
نظرة على النشاط البدني في السعودية
أصدرت الهيئة العامة للإحصاء نشرة إحصاءات النشاط البدني في السعودية لعام 2024، بنهاية شهر نوفمبر من العام نفسه؛ لتقديم أهم الأرقام عن انتشار الرياضة في السعودية والحركة بشكل عام.
وأظهرت نتائج المسح الصحي الوطني الذي استندت إليه النشرة أن 58.5% من السكان الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا فأكثر يمارسون النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أو أكثر أسبوعيًا.
ووصلت نسبة ممارسي النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أو أكثر أسبوعيًا للفئة العمرية 18 عامًا فأكثر من الذكور 64%، في مقابل 46.3% للإناث.
وفيما يخص السعوديين فقط، بلغ الإجمالي 54.1%، فيما وصلت النسبة 61.9% للذكور، و44.6% للإناث.
وبلغت نسبة الأطفال والمراهقين في الفئة العمرية من 5 إلى 17 سنة الممارسين للنشاط البدني لمدة 60 دقيقة أو أكثر يوميًا 18.7%.
وكشفت نتائج المسح أن الفئة العمرية بين 30 و39 سنة هي الأعلى في ممارسة النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أو أكثر أسبوعيًا بنسبة بلغت 62.6 %، بينما جاء الأفراد 80 سنة فأكثر كأقل الممارسين بنسبة 12.2%.
وبيّنت الهيئة العامة للإحصاء أن نسبة الذين يقضون أكثر من 3 ساعات يوميًا في الخمول تصل إلى 35.3% للفئة العمرية نفسها.
وأشارت “الإحصاء” أن أنشطة التنقل، بما في ذلك المشي أو ركوب الدراجات الهوائية للذهاب إلى الأماكن، تحتل المرتبة الأولى بين الممارسين لنشاط البدني بنسبة 56%.
وحلّت الأنشطة البدنية غير المرتبطة بالعمل في المرتبة الثانية، ومنها الأنشطة الترفيهية التي يمارسها 39% من السكان.
وبرزت الباحة في النشرة كأعلى منطقة على مستوى السعودية في نسبة الممارسين للنشاط البدني بين الأطفال والمراهقين لمدة 60 دقيقة أو أكثر يوميًا بنسبة 30.4%، بينما جاءت منطقة الرياض كأقل منطقة بنسبة 14.7 %.
مبادرات لتمكين الرياضة في السعودية
أبرز أحدث تقرير للاتحاد السعودي للرياضة للجميع، والصادر في يوليو 2024، نتائج عدد من المبادرات التي تستهدف نمو المجال الرياضي في أوساط السكان.
وأشار التقرير إلى برنامج تفعيل أندية الحي الترفيهية التعليمية الذي يستهدف مشاركة الشباب في مختلف الأنشطة الرياضية باستمرارية.
وأوضح التقرير أن البرنامج يتضمن أكثر من 45 ألف عضوية، منها نسبة 55% من الذكور، مقابل 45% للإناث في 45 نادي حول المملكة.
ويتيح البرنامج تقديم أكثر من 10 أنشطة وفعاليات متنوعة للمجتمع، تشمل التنس، وكرة السلة، وكرة القدم، واليوغا.
وأبان التقرير نتائج إطلاق تطبيق الرياضة للجميع، الذي يحفّز كل أفراد المجتمع لممارسة مختلف أنواع الرياضات.
يقدم التطبيق انضمام السكان لمجموعات رياضية مجتمعية في أنشطة مختلفة تناسب احتياجات الجميع.
وخلال عام 2023، وصل عدد المجموعات الرياضية المجتمعية إلى أكثر من 1800، تتضمن ما يزيد عن 49 ألف عضو.
وتصدرت رياضة المشي قائمة أكثر الأنشطة شعبية على التطبيق بنسبة 65%، يليها نشاط الجري بنسبة 33%، ثم استخدام الدراجات الهوائية وكرة القدم في نفس الترتيب بنسبة 11%، وكرة التنس بنسبة 8%.
دفعة للاقتصاد السعودي
ربطت السعودية الرياضة بالتحوّل الاقتصادي من الاعتماد على النفط إلى مصادر متنوعة، بما يضمن استدامة النمو.
وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تبلغ مساهمة قطاع الرياضة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد 1.5% أو 16.5 مليار ريال سنويًا، وفق تصريحات لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لقناة “Fox News” لأمريكية، في مقابلة أجريت معه عام 2023.
ووصف تقرير لمؤسسة أبحاث السوق “Astro labs” المملكة كمركز رياضي رائد عالميًا، واعتبر ذلك السمة المميزة لنمو صناعة الرياضة في المملكة.
وأشار التقرير إلى نجاح السعودية في الحصول على حقوق استضافة الأحداث الرياضية الكبرى مثل كأس آسيا 2027، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية في 2029، والأهم من ذلك كأس العالم لكرة القدم 2034، كدليل على الريادة العالمية.
وعدّ التقرير بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034 ذروة رؤية 2030 ونموذجًا للتقدم في صناعة الرياضة، وخاصة في مجال كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية في العالم، والمملكة.
ولفت التقرير إلى نجاح الدوري السعودي، حيث تضم الأندية السعودية لاعبين من أكثر من 50 دولة، حتى أصبح مركزًا لأفضل المواهب في العالم، وهو ما يثبته بث الموسم الأخير منه في 160 دولة.
وذكر التقرير أن التقدم لم يقتصر على كرة القدم فحسب، مشيرًا إلى استضافة سباقات “الفورمولا 1” وسباقات السيارات الكهربائية ونهائيات رابطة التنس النسائية ومباريات الملاكمة رفيعة المستوى.
ومع توسعه، لا يعزز قطاع الرياضة في السعودية حيويته فحسب، بل إنه يحفز أيضًا التأثيرات المتتالية التي تشعر بها الصناعات المجاورة.
وحدّد التقرير السياحة باعتبارها الرابح الأكبر من الطفرة التي تقودها الرياضة، والتي تساعد في دفع الاستثمارات الداخلية الكبيرة وجذب الشركات العالمية للتوسع في البلاد.
وأظهر تقرير لوزارة الرياضة أن الصناعة وفرت أكثر من 14 ألف فرصة عمل، وأن فرص العمل في الرياضة نمت بنسبة 114% من عام 2018 إلى عام 2021، وهو هامش آخر للنمو.
ويمتد التأثير الاقتصاد إلى ما هو أكثر من ذلك، فالاستثمار في صحة الأفراد عبر تشجيع ممارسة الرياضة، يزيد إنتاجيتهم، ويخفّف الضغط على المنظومة الصحية، مما يضمن الاستدامة الاقتصادية والنمو.
آثار صحية ومجتمعية لممارسة الرياضة
استعرضت المنصة الوطنية الموحدة للخدمات الحكومية الأثر المتوقع لممارسة الرياضة على مختلف الشرائح العمرية وفقًا لبحوث علمية، كالتالي:
- الصغار تحت 18 سنة: تظهر الدراسات أن فئة الأطفال والمراهقين الممارسين للنشاط البدني تتراجع لديهم احتمالية الإصابة بالسمنة 10 مرات مقارنة بنظرائهم غير الممارسين للنشاط.
- الشباب من 18 إلى 25 سنة: تحظى فئة الشباب الناضجين الممارسين للنشاط البدني على فرص وظيفية أكثر بنسبة %7 وعلى فرص إضافية طيلة فترة حياتهم بنسبة 7 إلى 8%، بالإضافة إلى تراجع احتمالية وقوعهم في الممارسات والسلوكيات غير الملائمة، ويحظون بمهارات قيادية أعلى بنسبة 13% عن نظرائهم غير المشاركين به.
- البالغين من 25 إلى 50 سنة: يقل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية للذكور والإناث بنسبة متوسطة تصل إلى 30% لدى فئة الناضجين الممارسين للرياضة.
- فئة كبار السن فوق 50 سنة: تزيد ممارسة الرياضة لدى هذه الفئة من فرص الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة %25 وقد يزداد متوسط العمر المتوقع لـ 5 سنوات، بالإضافة إلى تفادي الاكتئاب وتقليل أعراض الزهايمر.