يرتبط التلفزيون في الأذهان بشكل عام ببث الأخبار والجلسات النقاشية وعرض الأعمال الفنية والبثوث المباشرة للفعاليات الرياضية والترفيهية، ومن منظور آخر، فهو يمثّل القفزة الأكبر ربما في تاريخ صناعة الإعلام، حين انتقل الناس من قراءة المحتوى الورقي أو الاستماع إليه في أفضل الظروف إلى مشاهدته.
ويحتفل العالم في الحادي والعشرين من شهر نوفمبر سنويًا باليوم العالمي للتلفزيون، وهو التاريخ الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ اعترافًا بتأثير هذه الوسيلة الإعلامية في عملية صنع القرار، من خلال لفت انتباه الرأي العام للقضايا المهددة للأمن والسلام، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
وفي عالم اليوم، أصبح للتلفزيون منافس قوي، يتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، فما هو مدى رواجه بعد عقود من ظهوره؟ وما الذي يدرّه على المتخصصين في صناعته؟ وما مستقبله في ظل التطور التقني المتسارع؟
شعبية التلفزيون لا تزال كبيرة
منذ ظهور هذه التقنية لأول مرة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، تطوّر التلفزيون من جهاز فاخر إلى ضرورة أساسية داخل المنازل في جميع أنحاء العالم.
بلغت إيرادات سوق التلفزيون التقليدي والفيديو المنزلي العالمي حوالي 384 مليار دولار أمريكي في عام 2023.
وبلغ عدد مشاهدي التلفزيون والفيديو المنزلي التقليدي 5.23 مليار في عام 2023.
وتشير التقديرات التراكمية إلى أنه تم بيع مليارات أجهزة التلفزيون في جميع أنحاء العالم منذ ظهوره في النصف الأول من القرن العشرين.
وفي السنوات الأخيرة، ظلت مبيعات أجهزة التلفاز العالمية قوية، حيث تجاوزت الشحنات السنوية في كثير من الأحيان 200 مليون وحدة.
على سبيل المثال، في عام 2020، تم بيع حوالي 216 مليون جهاز تلفزيون حول العالم، على الرغم من التحديات مثل جائحة “كوفيد-19” التي أثرت على سلاسل التوريد وسلوك المستهلك.
وبلغت القيمة الإجمالية لسوق أجهزة التلفزيون 283.64 مليار دولار أمريكي في عام 2022، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 504.54 مليار دولار بحلول 2028.
وتحولت أجهزة التلفزيون نحو الشاشات الأكبر حجمًا خلال العقد الماضي، بفضل انخفاض الأسعار وتفضيل المستهلك لتجارب مشاهدة أفضل.
حاليًا، تشمل الأحجام الأكثر شيوعًا أجهزة تلفزيون مقاس 55 بوصة و65 بوصة، مع اكتساب الطرازات مقاس 75 بوصة قوة جذب كخيار متميز.
ولا تزال الأحجام الأصغر، مثل 32 و43 بوصة، شائعة ولكنها تميل إلى أن تكون أكثر شيوعًا في الغرف الثانوية بالمنازل أو للمستهلكين المهتمين بالميزانية.
في مناطق مثل أمريكا الشمالية وأوروبا، أصبحت أجهزة التلفزيون مقاس 65 بوصة خيارًا قياسيًا لغرف المعيشة، بينما في الأسواق الأخرى، تظل الأحجام الأصغر هي المهيمنة بسبب اعتبارات المساحة والتكلفة.
خيارات متنوّعة للغاية
تبث الأقمار الاصطناعية وأدوات نقل الترددات الأرضية ما يقارب 45 ألف قناة يمكن مُشاهدتها داخل مناطق مختلفة من العالم.
وتنقسم هذه القنوات إلى فئات مختلفة بناءً على نوع المحتوى الذي تركز على تقديمه، مثل الترفيه العام والأخبار والرياضة والمحتوى المتخصص مثل البرامج التعليمية أو الثقافية.
ومن حيث اللغة، تستضيف أوروبا وآسيا والأمريكتين عددًا كبيرًا من القنوات الدولية التي تلبي احتياجات الجماهير المحلية والعالمية في آن واحد.
وتضم منطقة آسيا والمحيط الهادئ آلاف القنوات، نظرًا لما تتمتع به الصين من مشهد إعلامي واسع، والتطوّر الكبير في منطقة الخليج العربي.
وتعد أوروبا موطنًا للعديد من شبكات التلفزيون في العالم، حيث تقدم 626 قناة محتواها من المملكة المتحدة، فيما تمتلك ألمانيا 560 قناة.
وتمثل منطقة أمريكا الشمالية موطن قوة في هذا المجال، إذ أن الولايات المتحدة تشغل أكثر من 50 شبكة تلفزيونية، تتبع كل منها عدد كبير من القنوات.
وبشكل عام، تمتلك قارة أفريقيا عدد أقل من القنوات مقارنة بالمناطق الأخرى، ولكنها تنمو بشكل مطرد.
عوائد ضخمة
بلغ قيمة إجمالي مبيعات التلفزيون حول العالم حوالي 283.64 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن تنمو إلى 504.51 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 10%.
ويعود هذا النمو إلى زيادة الطلب على أجهزة التلفاز الذكية والابتكارات في تقنيات العرض مثل دقة “4K” و”8K”.
وتمثل أجهزة التلفزيون الذكية الحصة الأكبر من السوق، حيث أصبح المشاهدون يفضلون تكامل التلفاز مع الإنترنت، وهو اتجاه متزايد بشكل أكبر في مناطق مثل آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا الشمالية.
وكشف تقرير تحليل سوق خدمات البث التلفزيوني الصادر حديثًا عن شركة “Future Market Insights” أن مبيعات الخدمة عالميًا في عام 2023 بلغت 597,944.9 مليون دولار أمريكي.
ومن المتوقع أن يصل سوق خدمات البث التلفزيوني إلى قيمة 10,24,578.40 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2033 مع نمو متوقع بنسبة 5.5% من عام 2023 إلى عام 2033.
وخلص التحليل إلى أن خدمات البث التلفزيوني عبر الكابل ستكون هي القطاع الأعلى توليدًا للإيرادات، بمعدل نمو سنوي مركب متوقع يتجاوز 5.4% من عام 2023 إلى عام 2033.
مستقبل التلفزيون
كانت باقات قنوات التلفزيون المدفوعة هي الاتجاه السائد حتى سنوات قليلة مضت، ولكن الأمور تغيّرت الآن، فأصبحت منصات الفيديو حسب الطلب هي الحاضر والمستقبل.
تشير التوقعات إلى أنه سيكون هناك 1.79 مليار مشترك في خدمة الفيديو حسب الطلب في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2029.
وعلى الرغم من أن الأساليب والخدمات المحددة التي يصل من خلالها الأشخاص إلى التلفزيون مستمرة في التغير، يبدو أن الصناعة تتكيف دائمًا، كما يتضح من حقيقة أن عدد
على مدى العقدين الماضيين، دخلت تقنيات متعددة إلى سوق التلفزيون وتم استبدالها لاحقًا بتقنيات أحدث.
سيطر التلفزيون الأرضي التناظري على السوق في الماضي، ولكن سرعان ما تم استبداله بتلفزيون الكابل الرقمي، وتلفزيون “IPTV”، بالإضافة إلى التلفزيون الأرضي المجاني في السنوات الأخيرة.
وجنبًا إلى جنب مع تقنيات البث الجديدة هذه تأتي التطورات في أجهزة التلفزيون.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يمتلك أكثر من ثلاثة أرباع السكان تلفزيونًا ذكيًا، والذي يتم دمجه مع هذه الخدمات الجديدة للاستفادة من الاتصال بالإنترنت.
ويرى خبراء الصناعة أن مستقبل التلفزيون وتطوّره سيعتمد مستقبلًا على:
- الواقع الممتد: يشمل الواقع المعزز “AR” والواقع الافتراضي “VR”؛ لتحسين تجارب المشاهدين من خلال دمج العناصر التفاعلية في المحتوى، خاصة في الألعاب الرياضية والترفيهية الحية.
- شبكة الجيل الخامس والسحابة الإلكترونية: ستعملات على البث بسرعات عالية للغاية، تحسن تجربة البث المباشر.
- الذكاء الاصطناعي: يلعب دورًا مهمَا في تنظيم المحتوى والتوصية به، وتصنيف مكتبات المحتوى الواسعة، والإعلانات التفاعلية.
- التحولات في نماذج الإيرادات: تكتسب خدمات البث المدعومة بالإعلانات قوة جذب، مما يوفر تكاليف اشتراك أقل عبر الإعلانات شديدة الاستهداف.