عندما يتقدم السكان في السن، أو تتغير معدلات المواليد، أو تتطور أنماط الهجرة، يخضع العرض من العمالة أيضًا لتحولات – مما يؤثر على النمو الاقتصادي للبلد.

تلعب التحولات الديموغرافية دورًا مهمًا في تشكيل قوة العمل في أي دولة.

يستكشف هذا التقرير، العلاقة المعقدة بين التركيبة السكانية وزيادة الطبقة المتوسطة وتأثيرها على الاقتصاد والعمالة، ويفحص الاتجاهات الحالية والآثار والاعتبارات السياسية للاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

الاتجاهات الديموغرافية الحالية

وفقًا لتقرير الأمم المتحدة حول توقعات سكان العالم لعام 2022، هناك ثلاثة اتجاهات ديموغرافية رئيسية تؤثر على عرض العمالة:

– على الصعيد العالمي، يتباطأ معدل النمو السكاني، مع وجود اختلافات ملحوظة بين البلدان والمناطق.

على سبيل المثال، من المتوقع أن تساهم منطقة أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى بأكثر من نصف الزيادة السكانية العالمية المتوقعة حتى عام 2050، حيث ستكون الاقتصادات الأقل نمواً من بين أسرع الاقتصادات نمواً.

ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تصل أوروبا وأميركا الشمالية إلى ذروة حجم السكان وتبدأ في الانخفاض السكاني في أواخر ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.

وبحلول ذلك الوقت، من المتوقع أن تضم آسيا ما يقرب من 5 مليارات نسمة ومنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 2.1 مليار نسمة.

– يتزايد عدد كبار السن من حيث العدد والنسبة من إجمالي السكان.

ومن بين الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، أصبحت شيخوخة السكان واضحة بشكل متزايد. واليابان مثال معروف، حيث يبلغ عمر ما يقرب من 30% من سكانها 65 عامًا أو أكثر.

وفي عام 2022، كان ما يقرب من 20% من السكان في أوروبا وأمريكا الشمالية بأعمار تزيد على 65 عامًا أو أكثر، تليها أستراليا ونيوزيلندا (17%)، وشرق وجنوب شرق آسيا (13%).

كما يرتفع عدد كبار السن في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومن المتوقع أن يصل إلى 5% في عام 2050 (ارتفاعًا من 3% في عام 2022).

– في معظم أنحاء أفريقيا وآسيا، يتزايد عدد السكان في سن العمل. وترتبط حصة السكان في سن العمل (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا) ارتباطًا وثيقًا بقوة العمل النشطة في بلد ما.

ومن بين معظم الاقتصادات المتقدمة، استقرت نسبة الأشخاص في سن العمل أو بدأت في الانخفاض. وفي حين شهدت أوروبا معدلات سلبية لأكثر من عقد من الزمان، فإن عدد السكان في سن العمل في معظم أنحاء أفريقيا وآسيا وأجزاء من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي يتزايد.

ولكن ليس لفترة طويلة جدًا – فمن المتوقع بحلول عام 2040 أن تنضم كل من آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى أوروبا في المعدلات السلبية.

التداعيات على سوق العمل

إن التغيرات الديموغرافية قد تؤثر على ديناميكيات التوظيف والأجور والإنتاجية الاقتصادية الإجمالية.

على سبيل المثال، في الاقتصادات التي يتقلص فيها عدد السكان في سن العمل، قد ترتفع تكلفة العمالة، حيث سيكون هناك عدد أقل من الأشخاص المتاحين للعمل.

وقد تواجه بعض الصناعات أيضًا نقصًا في المهارات حيث قد يتجاوز الطلب على العمال المهرة العرض، مما قد يزيد من علاوة الأجور للعمالة الماهرة.

وفي مواجهة نقص محتمل في العمالة، قد تلجأ الصناعات إلى الابتكار التقني والأتمتة للحفاظ على مستويات الإنتاجية. وفي حين أن هذا قد يؤدي إلى زيادة الكفاءة، فإنه يثير أيضًا مخاوف بشأن تشريد الوظائف والحاجة إلى إعادة تأهيل العمال، بما في ذلك كبار السن، حيث قد تكون هناك حاجة لإبقائهم في القوى العاملة.

من ناحية أخرى، في الاقتصادات التي تشهد توسعاً في عدد السكان في سن العمل، هناك فرصة لتسريع النمو الاقتصادي.

وفي ظل تساوي كل الظروف، فإن القوة العاملة المتاحة أكبر من السكان غير العاملين، وهو ما يؤدي إلى خلق المزيد من الناتج وتوفير المزيد من الموارد للاستثمار في رأس المال البشري، بما في ذلك التعليم والصحة والتوظيف والحماية الاجتماعية.

إلا أن هذه الفرصة محدودة، وقد لا تتحقق الفوائد على الفور، حيث يحتاج الشباب إلى الوقت لتعلم مهارات جديدة للمساهمة في أنشطة اقتصادية أكثر إنتاجية، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى توليد المزيد من النمو.

توقعات عدد سكان الطبقة المتوسطة العالمية 2015-2030

بحلول عام 2030، من المتوقع أن يزيد عدد سكان الطبقة المتوسطة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من 1.38 مليار شخص في عام 2015 إلى 3.49 مليار شخص.

وبالمقارنة، من المتوقع أن يزيد عدد سكان الطبقة المتوسطة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 114 مليون شخص في عام 2015 إلى 212 مليون شخص في عام 2030.

الثروة العالمية

في حين أن الطبقة المتوسطة كانت في ارتفاع، لا يزال هناك تفاوت كبير في الثروة والدخل العالمي.

كان لدى الولايات المتحدة أكبر عدد من الأفراد الذين ينتمون إلى أعلى الـ 1% من حاملي الثروات، ومن المتوقع أن تزيد قيمة الثروة العالمية فقط على مدى السنوات القادمة.

حوالي 57% من سكان العالم لديهم أصول تقدر قيمتها بأقل من 10000 دولار؛ في حين أن أقل من 1% لديهم أصول تزيد عن مليون دولار أمريكي.

كان لدى آسيا أعلى نسبة من الأصول القابلة للاستثمار في العالم في عام 2018، بينما كان لدى أوقيانوسيا أعلى نسبة من الأصول غير القابلة للاستثمار.

تعريف الطبقة المتوسطة

الطبقة المتوسطة هي مجموعة الأشخاص الذين يقع دخلهم في منتصف المقياس.

شكلت الصين أكثر من نصف سكان العالم من ثروات الطبقة المتوسطة في عام 2017.

أما في الولايات المتحدة، كان النقاش حول “اختفاء” الطبقة المتوسطة موضوعًا شائعًا بسبب الزيادة في ثروات كبار المليارديرات في البلاد.

ونتيجة لهذا، كانت هناك حجج لزيادة الضرائب على الأغنياء للمساعدة في دعم الطبقة المتوسطة.

توصيات السياسة

ولمعالجة التحديات التي تفرضها التغيرات الديموغرافية على عرض العمالة، هناك ثلاثة اعتبارات سياسية يمكن للحكومات أن تأخذها في الاعتبار في جهودها للحفاظ على قوة عاملة مرنة وقادرة على التكيف:

– دعم أسواق العمل: تستطيع الحكومات أن تدعم أسواق العمل من خلال إبقاء تكاليف العمالة منخفضة.

ورغم أن تنظيم سوق العمل يشكل أهمية بالغة لحماية حقوق العمال ودعم المساواة والتماسك الاجتماعي، فإن الإفراط في التنظيم من شأنه أن يثبط خلق فرص العمل ويقيد حركة العمال من الوظائف المنخفضة الإنتاجية إلى الوظائف العالية الإنتاجية.

ومن الممكن وضع تنظيمات سوق العمل بطريقة أكثر مرونة، بما يسمح للعمال بدخول الأسواق الرسمية بموجب أنواع مختلفة من العقود والترتيبات.

أما التنظيمات المفرطة في الحماية فقد تدفع العمال الأصغر سناً والنساء والأقليات إلى الاقتصاد غير الرسمي، أو تتركهم عاطلين عن العمل، أو تجبرهم على الهجرة.

وقد يؤدي هذا إلى خلق استخدام غير أمثل للموارد في بيئة محلية مقيدة بالفعل، وربما غير متكافئة.

– تعزيز التعليم وإعادة التدريب: يمكن للحكومات أن تفكر في تعزيز مراكز التوظيف العامة لتوفير برامج التدريب وإعادة التأهيل للعمال، بما في ذلك كبار السن والفئات غير الممثلة.

تمتلك معظم البلدان مراكز توظيف عامة يمكن الاستفادة منها بشكل أفضل لسد احتياجات أصحاب العمل والعمال. على سبيل المثال، في 1 يناير 2024، أعلنت فرنسا عن إنشاء مشغل توظيف عام جديد، France Travail، بناءً على تجربة وكالة التوظيف العامة السابقة، Pôle Emploi.

والهدف من الكيان الجديد هو العمل كمتجر شامل لجميع الأشخاص، بما في ذلك الخريجين حديثًا وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، الباحثين عن عمل.

– سياسات التقاعد المرنة: استكشاف سياسات التقاعد المرنة التي تشجع كبار السن على البقاء في القوى العاملة، إذا رغبوا في ذلك.
يمكن أن يساعد هذا في التخفيف من تأثير الشيخوخة السكانية على مشاركة القوى العاملة وتوفير خبرة قيمة للصناعات.

على سبيل المثال، في عام 2022، غيرت سنغافورة القانون المتعلق بالحد الأدنى لسن التقاعد وإعادة التوظيف لمنح أصحاب العمل مجموعة أكبر من المواهب للاختيار من بينها.