ما الذي يجعل المدينة حية ومزدهرة؟ هل هي مجرد المباني الشاهقة والطرق السريعة؟ أم قدرتها على توفير حياة صحية لسكانها والحفاظ على البيئة؟

التقنية الخضراء تقدم لنا الإجابة، فهي تمنحنا القدرة على بناء مدن ذكية ومستدامة، مدن تحافظ على مواردنا الطبيعية وتضمن مستقبلًا أفضل لأجيالنا القادمة.

تعد المدن موطنًا لأكثر من نصف سكان الأرض، وهي مسؤولة عن أكثر من 70% من انبعاثات الكربون العالمية وما يصل إلى 80% من استهلاك الطاقة.

في السنوات الأخيرة، حاولت المجتمعات الحضرية جعل المدن أكثر ملاءمة للعيش وأقل ضررًا بالبيئة. تعد المدن المستدامة أمرًا حيويًا لتقليل البصمة الكربونية والحفاظ على الغطاء النباتي وخلق ظروف معيشية أكثر راحة وتوازنًا للسكان.

إن إنترنت الأشياء (IoT) هو أحد التقنيات الرئيسية التي تدفع عجلة التنمية المستدامة للمدن. وقد يكون الاستثمار في أدوات ومنصات المدن الذكية التي تعتمد على إنترنت الأشياء ذا إمكانات واعدة للشركات المحلية.

في هذا التقرير، نستعرض حلول إنترنت الأشياء الصديقة للبيئة لسكان المدن الحديثة ونناقش لماذا يجب على مجتمعات المدن الاستثمار في التقنية الخضراء.

ما هي المدينة المستدامة؟

يتحدث الجميع عن الاستدامة هذه الأيام، بعد أن أصبحت ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ من الأمور التي تفرض نفسها على العالم أجمع. ولكن من المؤكد أن مفهوم المدينة المستدامة لا يزال يحتاج إلى المزيد من التوضيح.

إن التعريف الأكثر شيوعاً للمدن المستدامة هو “المجتمع الحضري الذي يتخذ تدابير عملية للحد من بصمته البيئية”.

هي المدن التي تضم العديد من المتنزهات والمناطق الخضراء الكبيرة، والتي تناسب راكبي الدراجات والمشاة، وتستخدم الطاقة المتجددة والمركبات العامة الكهربائية أو الهجينة في الغالب، وتتمتع بالاكتفاء الذاتي في استخدام النفايات وإدارة الطاقة والمياه.

ولعل سنغافورة هي واحدة من أشهر المدن الخضراء، حيث تجمع بين المباني المستقبلية والنباتات القوية والهواء النقي. وتستفيد سنغافورة، التي يطلق عليها “مدينة في حديقة”، من التقنية الحديثة وحلول إنترنت الأشياء لخلق بيئة أفضل لسكانها.

لم تعد مثل هذه المدن مجرد “يوتوبيا”، إذ تتبنى المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، الكبيرة والصغيرة، بسرعة تقنيات وممارسات صديقة للبيئة.
ومن الواضح أن هذه المجتمعات تدرك فوائد التخطيط الحضري الصديق للبيئة، وهي حريصة على الاستثمار في التقنية الخضراء.

الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة 2023

في عام 2023، جاءت أكبر الاستثمارات الإقليمية في الطاقة المتجددة من الصين وأوروبا.

استثمرت الصين وحدها أكثر من 273 مليار دولار، في حين ساهمت أوروبا بنحو 134 مليار دولار في تقنيات الطاقة المستدامة، كما كان الاستثمار في الولايات المتحدة كبيراً على نطاق عالمي.

الولايات المتحدة هي واحدة من أكبر مستهلكي الطاقة المتجددة في العالم، ورغم أن الطاقة الكهرومائية كانت المصدر الأكثر شيوعًا للكهرباء المتجددة في أمريكا حتى عام 2018، فقد حلت طاقة الرياح محلها في ذلك العام، حيث وصلت إلى 425 تيراواط ساعة في عام 2023.

وفي السنوات الأخيرة، شكلت طاقة الرياح والطاقة الشمسية معظم القدرة المركبة الجديدة. ومن المتوقع أن يزداد الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة بشكل كبير في السنوات القادمة مع إدخال قانون خفض التضخم، وهو أهم تشريع مناخي في تاريخ الولايات المتحدة.

أما في أوروبا، تحتل ألمانيا مكانة مهمة كمستهلك ومنتج رائد للطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم، وتتميز بقدرتها على توليد طاقة الرياح البرية.

كما تعد إسبانيا وبريطانيا وفرنسا من بين أكبر الدول التي تقوم بتزويد إجمالي سعة طاقة الرياح في العالم.

استدامة قطاع النقل: خطوة على الطريق الصحيح

النقل يعد ضمن أهم القطاعات المعنية بالتحول الأخضر، كان تطوير وقود الطيران المستدام هو الفئة الرئيسية لشركات الطيران التي تستثمر في التقنية الخضراء.

اعتبارًا من أوائل عام 2022، تم توجيه أكثر من ثلث الاستثمارات التي قامت بها شركات الطيران العالمية إلى الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير مثل هذا الوقود.

احتلت تقنيات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائي المرتبة الثانية، حيث مثلت 26% من استثمارات شركات الطيران.

وفي صناعة السيارات، كان هناك حوالي 25.9 مليون مركبة كهربائية قيد التشغيل في جميع أنحاء العالم في عام 2022.

في ذلك العام، شكلت المركبات الكهربائية بالكامل حوالي 69.5% من المركبات الكهربائية القابلة للشحن.

وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية إلى ما يقرب من 10.2 مليون وحدة في عام 2022، وهو ما أدى لاستبدال حوالي 25 مليار لتر من مكافئ البنزين في جميع أنحاء العالم نتيجة لاستخدام السيارات الكهربائية.

وفي حين تراجعت مبيعات السيارات التقليدية وسط تفشي جائحة فيروس كورونا، زادت حصة السيارات الكهربائية في السوق إلى ما بين 4-5% في عام 2020، واستمرت في الارتفاع منذ ذلك الحين.

وكانت الصين هي السوق التي تضم أكبر أسطول من السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات في عام 2022، حيث استحوذت على حوالي 11 مليونًا من إجمالي عدد السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات في العالم.

البناء الأخضر يحد من انبعاثات الكربون

هذا لا يعني أن تقوم بطلاء مبنى جديد باللون الأخضر.

إن وصف المبنى بأنه “أخضر” في الواقع يعكس طريقة بنائه أكثر من مظهره.

يشير البناء الأخضر إلى الفلسفة والعمليات التي تجعل إنشاء واستخدام البيئة المبنية صديقًا للبيئة الطبيعية قدر الإمكان.
من مرحلة التصميم إلى التجميع إلى وظيفة الهيكل عند الانتهاء، يركز البناء الأخضر على تقليل التأثيرات السلبية على الكوكب وحتى إضافة بعض الفوائد الإيجابية.

ما يقرب من 50% من شركات بناء المنازل وإعادة بنائها التي نفذت مشاريع خضراء في الولايات المتحدة، أن القيام بالشيء الصحيح كان أحد الأسباب الرئيسية للمشاركة في هذا النوع من المشاريع.

كما ذكر أكثر من 30% من هؤلاء البناة، متطلبات الكود وإنشاء منازل أكثر صحة، كبعض الأسباب الرئيسية الأخرى لبناء المنازل الخضراء. وفي الوقت نفسه، قال 16% فقط منهم إنهم أنشأوا منازل خضراء بسبب الطلب في السوق.

جهود تم ترجمتها على أرض الواقع على مدى السنوات الماضية، ففي عام 2019، بلغت القيمة السوقية للأسمنت الأخضر في جميع أنحاء العالم 609.3 مليون دولار.

وبناءً على معدل نمو سنوي مركب بنسبة 4.8% بين عامي 2020 و2026، من المتوقع أن تصل القيمة السوقية العالمية للأسمنت الأخضر إلى ما يقرب من 680 مليون دولار بحلول عام 2026.

الأسمنت الأخضر هو نوع من الأسمنت يتم إنتاجه باستخدام “عملية تصنيع سلبية الكربون”، بحيث يتم تقليل الانبعاثات أثناء عمليات الوحدة (مثل إنتاج الكلنكر) إلى أدنى حد، وبالتالي يساهم في تقليل انبعاثات الكربون المرتبطة بإنتاج الأسمنت بشكل كبير، كون تصنيع الأسمنت التقليدي يُعد أحد أكثر الصناعات كثافة في الكربون في العالم.

مع تبني المجتمعات الحضرية في مختلف أنحاء العالم للممارسات الخضراء وتحولها إلى مجتمعات صديقة للبيئة، فإنها تميل بشكل متزايد إلى استخدام تقنيات إنترنت الأشياء للتخطيط الحضري المستدام.

وقد أصبح إنترنت الأشياء من الأصول التي لا تقدر بثمن في التحكم الذكي في النفايات والطاقة، والحفاظ على المياه، ومراقبة حركة المرور، وأنظمة البناء الذكية وغيرها من التقنيات المستدامة.

ومع ذلك، فإن الاستثمار في التقنية الخضراء قد يتطلب تكاليف إضافية للبنية الأساسية الخضراء، وأنظمة الطاقة المتجددة، وخيارات النقل المستدامة.

كما يمكن للتنمية الحضرية المستدامة أن توفر فوائد اقتصادية ملموسة، من خلال خفض تكاليف التشغيل، وتحسين قيم العقارات، وجذب الشركات والمواهب، وخلق أسواق جديدة للتقنية الخضراء.