غيّر الذكاء الاصطناعي مشهد العمل العالمي بفضل صعود التقنيات التوليدية التي تعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة، مثل “ChatGPT”.
وبعد فترة من الجدل حول استحواذ الذكاء الاصطناعي عى وظائف البشر، أصبحت الصورة أكثر وضوحًا، وصار التفكير في الاستفادة من هذه التقنية لنمو الأعمال وتيسير مهام الموظف هو السائد.
ونتيجة لذلك، برزت الحاجة للحصول على إجابات عن أسئلة تمثل أهمية كبيرة للمرحلة الحالية، ومنها: ما مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق المواهب؟ وهل تعاطف الرئيس التنفيذي هو المفتاح لجذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها في ظل تراجع ثقة العاملين في مؤسسات الأعمال؟
أصدرت مؤسسة “kornferry” تقريرًا للإجابة على هذه الأسئلة، وتقديم رؤى حول اتجاهات المواهب للأعمال في عام 2024، بناءً على استطلاع لآراء مجموعة من أبرز قادة الأعمال حول العالم.
الذكاء الاصطناعي والتوظيف
يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير الطريقة التي تتعامل بها الشركات مع التوظيف، حيث يساعدها على اكتساب أفضل المواهب.
توقع 82% من الرؤساء التنفيذيين وكبار القادة المشاركين في استطلاع الرأي أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على أعمالهم.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدّم الكثير لمسؤولي التوظيف، فهو يسرع العمل على اختيار المواهب، ويكتب الوصف الوظيفي بدقة، ويدعم تقييم المتقدم لشغل الوظيفة قبل إجراء المقابلة الشخصية معه، وتحديد مدى موافقتهم لمتطلبات الوظيفة.
ورغم هذه الفوائد، هناك مخاطر كبيرة، أولها هو الدقة، فوفقًا لدراسة حديثة أجرتها جامعة “ستانفورد”، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل “ChatGPT” أقل دقة.
وقال 73% من القادة الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم سيراقبون التقنيات التي يستخدمونها بحثًا عن علامات تشير إلى مشكلات أمنية أو تحيز خوارزمي.
ويتمثل الخطر الثاني في استبعاد مهام إدارات التوظيف من البشر تمامًا، وهو ما يخشاه القادة، إذ أن هذا الأمر سيفقد العملية اللمسة البشرية فيها.
ومن ناحية أخرى يساعد الذكاء الاصطناعي المرشحين على تقديم أنفسهم بشكل أفضل للمؤسسات التي يبحثون عن فرصة للعمل بها.
يتحقق ذلك بسبب قدرة الذكاء الاصطناعي على تسهيل البحث عن وظائف ملائمة لخبرات وقدرات كل شخص، فضلًا عن إمكانية تصميم السيرة الذاتية والرسائل التعريفية في وقت قصير ودون مجهود يذكر.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يضمن الذكاء الاصطناعي حصول المرشح للوظيفة على أجر عادل؛ نظرًا لأنه يمكنه مقارنة نطاقات الرواتب في بالشركات المنافسة.
ومع ذلك، يجب على المرشحين أن يكونوا على دراية بمخاطر البحث عن وظيفة في عالم يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
تشمل هذه المخاطر عمليات الاحتيال لسرقة المعلومات الشخصية، والتي قد تشمل التفاصيل المصرفية.
رصد تقرير “kornferry” إعلانات وظائف مزيّفة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي بغرض الاحتيال على اللباحثين عن وظائف وسرقة معلوماتهم الشخصية.
التوظيف المبكر
خلص التقرير إلى أن بعض الوظائف ستستمر في المطالبة بالحصول على شهادات جامعية، لكن سيقوم بعض أصحاب العمل بجذب المرشحين بينما لا يزالون في المدرسة الثانوية، والبعض الآخر سوف يبحث عن الموظفين في مؤسسات التعليم العالي التقنية وغير التقليدية.
وأوضح التقرير أن هناك مجموعة من الأسباب لذلك، بينها أن الموظفين المبتدئين يحصلون على رواتب أقل من نظرائهم الأكثر تأهيلًا، مما يجعلهم خيارًا جذابًا، خاصة عندما تكون الميزانيات محدودة.
ومن بين الأسباب أن أصحاب السن الصغيرة لديهم قدرة أكبر على التكيف وسرعة التعلم، وهو ما يدفعهم إليه فضولهم.
ويتعين على أصحاب الأعمال الذين يتطلعون لتوظيف المزيد من الشباب فهم أن هذه الفئة تتطلع للمزيد من الإدماج، والتوازن، والتعاطف.
ولهذا السبب، تتصاعد دعوات التعاطف والتركيز على الصحة العقلية في العمل أكثر من أي وقت مضى.
الأولوية للمهارات
في وقت سابق، كانت الخبرات الوظيفية السابقة والأماكن التي عمل بها المرشح من أهم عوامل قبول شخص بدور وظيفي، ولكن الأمر تغير الآن، وأصبحت المهارات الفعلية هي الأكثر أهمية.
ومع وجود العديد من فجوات المهارات التي يجب سدها، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، تركز الشركات على أصحاب المعرفة بالتقنيات الناشئة؛ لتنفيذ استراتيجياتها طويلة المدى.
وإلى جانب المهارات التقنية، يتوقع التقرير أن يرتفع الطلب على أصحاب السمات القيادية في إعلانات الوظائف خلال العام الحالي.
التعاطف يستعيد أهميته
في دراسة استقصائية شملت 3000 متخصص في الموارد البشرية في بداية عام 2024، قال ثلثهم إن التعاطف مفقود في مستويات الإدارة.
ويمثل هذا الأمر مشكلة كبيرة لأي شركة ترغب في توظيف الأشخاص ذوي الأداء العالي والاحتفاظ بهم.
ومع انتقال هؤلاء أصحاب الأداء العالي إلى مناصب أخرى، حيث يتولون أدوارًا في المنظمات التي تمنحهم قدرًا أكبر من التكامل بين العمل والحياة، أو المزيد من الحرية لمشاركة آرائهم دون خوف، سيتعين على الرؤساء التنفيذيين إجراء تغييرات.
في عام 2024، يتوقع التقرير أن يستمع الرؤساء التنفيذيون أكثر إلى زملائهم على كل مستوى في أعمالهم دون إصدار أحكام.
ولا يعني هذا التوقف عن مطالبة الفرق بالعودة إلى المكتب بعد إنهاء قيود جائحة “كوفيد-19″، لكنه يعني أنهم سيفكرون أكثر في مراعاة الظروف الشخصية للأشخاص.
ملخص التقرير
– يساعد الذكاء الاصطناعي الشركات على اكتساب أفضل المواهب، حيث يقدم لمسؤولي التوظيف مزايا عديدة، تشمل كتابة الوصف الوظيفي بدقة، وتقييم المرشحين، وتحديد مدى موافقتهم لمتطلبات العمل.
– يخشى قادة الأعمال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل كامل في عملية التوظيف؛ لأنه يفتقد للدقة في حالات كثيرة، فضلًا عن المشكلات الأمنية والتحيّز الخوارزمي.
– يساهم الذكاء الاصطناعي الباحثين عن الوظائف في إيجاد فرص مناسبة لقدراتهم، ويمكّنهم من إنشاء السير الذاتية بسرعة، وقد يضمن لهم الحصول على أجر عادل.
– تتمثل خطورة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الحصول على وظيفة في عمليات الاحتيال وسرقة البيانات الشخصية.
– تتجه الشركات إلى توظيف الشباب من طلبة المرحلة الثانوية وخريجي مؤسسات التعليم العالي التقنية؛ لأنهم يحصلون على رواتب أقل، ويتمتعون بقدرة أكبر على التكيّف والتعلم بسرعة.
– في العام الحالي، تمنح الشركات الأولوية لأصحاب المهارات التي تناسب متطلبات الوظيفة، بغض النظر على أماكن العمل السابقة للمرشح.
– يعتقد حوالي ثلث المتخصصين في الموارد البشرية أن تعاطف قادة الأعمال مع الموظفين شهد انخفاضًا كبيرًا مؤخرًا، وهو ما يتسبب بمشكلة للشركات، التي لم تعد قادرة على الاحتفاظ بأصحاب الأداء العالي.
– على قادة الأعمال بذل مجهود أكبر لإظهار التعاطف للموظفين، عبر توفير التوازن بين العمل والحياة، ومنحهم حرية مشاركة آرائهم دون إصدار أحكام، ومراعاة ظروفهم الشخصية.