يمثّل العام 2023 نموذجًا قياسيا لسنوات الأحداث المتسارعة والمؤثّرة تاريخيًا، إذ شهد صراعات دموية، مثل تلك التي وقعت في السودان وقطاع غزة، إلى جانب تسجيل ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وصعود تقنية جديدة تعيد تشكيل صورة العالم، فضلًا عن تصاعد السخط المجتمعي في كثير من البلدان، وهو ما أظهرته الاحتجاجات العنيفة وأعمال الشغب والإضرابات.
وعلى الرغم من تجنب العواقب المزعزعة للاستقرار العالمي مثل تلك التي شوهدت عند اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أو جائحة “كوفيد-19″، فإن التوقعات الأطول أمدًا لهذه التطورات قد تجلب المزيد من الصدمات العالمية.
أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقرير “المخاطر العالمية 2024″؛ لإظهار نتائج استطلاع رأي أجري في سبتمبر 2023، شمل 1490 من قادة الأعمال حول العالم، والذين عبّروا عن توقعات سلبية لمستقبل المشهد العالمي على مدى 10 سنوات مقبلة.
تهديدات حالية
يشكّل الطقس القاسي الخطر الأكبر في 2024، وفقًا للقادة الذين شملهم الاستطلاع، كما أنه يحتل المرتبة الثانية بشكل عام من حيث الخطورة خلال العامين المقبلين.
يرى القادة المشاركون في الاستطلاع أن الاقتصادات العالمية غير مستعدة بالصورة اللازمة لمواجهة عواقب الأحوال الجوية الحادة، والتي تشمل تأثّر النظم الغذائية والأضرار واسعة النطاق في البنية التحتية.
وتشكل المعلومات الخاطئة والمضللة ثاني أكبر خطر عالمي خلال العام الحالي، وهو ما قد يؤدي إلى تقليص الثقة في مختلف أنواع المنظمات وتعميق الانقسامات السياسية.
ويمكن للمعلومات الخاطئة والمضلّلة أن تؤثر على سير الانتخابات المنتظرة بشدّة، والمقرر إجراؤها في الولايات المتحدة، وروسيا، والهند، والمكسيك، وعشرات البلدان الأخرى.
وينتج خطر المعلومات الخاطئة والمضللة عن التقدم في المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، يؤثر الصراع في الشرق الأوسط بشدة على سبل عيش ملايين الأشخاص، وتثير الهجمات الأخيرة في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط تساؤلات حول اندلاع حرب أوسع نطاقًا.
ويحتل تصاعد النزاعات المسلحة بين الدول المرتبة الثامنة من حيث المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي في عام 2024.
المخاطر العالمية المستقبلية
بحلول عام 2034، يعتقد القادة الذين شملهم الاستطلاع أن المخاطر البيئية ستكون الأكثر إثارة للقلق، حيث تشكل 5 من أكبر 10 مخاطر.
في المراتب الأربعة الأولى بقائمة التهديدات الأكثر خطورة تتواجد الأحداث الجية المتطرفة، إلى جانب التغييرات الكبيرة في الأنظمة الحيوية للأرض، مع فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي، ونقص الموارد الطبيعية.
وتنتمي التهديدات في المرتبتين الخامسة والسادسة إلى فئة المخاطر التقنية، وتشمل المعلومات الخاطئة والمضللة، والنتائج السلبية لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتكمل عقد أكبر 10 مخاطر على مدى العقد المقبل تهديدات الهجرة غير الطوعية، وانعدام الأمن السيبراني، والاستقطاب المجتمعي أو السياسي، والتلوث.
ويرتبط الاستقطاب المجتمعي بخطر المعلومات الخاطئة أو المضلّلة، والتي يتوقع أن تتسلل إلى الخطاب العام حول قضايا مهمة للغاية، تشمل الصحة والعدالة الاجتماعية.
وبفعل حالة عدم اليقين الاقتصادي التي يعيشها العالم حاليًا، ستتأثر معظم الأسواق العالمية بشكل كبير، وستفقد الكثير من رأس مالها، خاصة في البلدان الأكثر ضعفا.
ومن المتوقع أن تُحرم البلدان المعرضة لتأثيرات تغير المناخ أو النزاعات لتأثير سلبي على البنية التحتية المادية والرقمية، مع تراجع الفرص التجارية والاستثمارية وتلك الخاصة بالتحوّل للأخضر، وهو ما يهدد بتآكل قدراتها التكيفية مع التغيرات العالمية المرتقبة.
وسيؤدي هذا إلى توسيع الفجوة الرقمية بين البلدان المرتفعة والمنخفضة الدخل، مما سينتج عنه تفاوت في توزيع التقنيات، وعلى ذلك، ستظل البلدان والمجتمعات الضعيفة متخلّفة عن الركب ومعزولة رقميًا عن التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تؤثر على الإنتاجية الاقتصادية والتمويل والمناخ والتعليم والرعاية الصحية، فضلًا عن خلق فرص العمل للسكان.
وإلى جانب التقنية، من شأن التوترات الجيوسياسية أن تؤدي إلى مخاطر أمنية جديدة، حيث أن هناك العديد من الصراعات المجمدة المعرضة للاشتعال في وقت قريب.
وعلى المدى الطويل، سيمكّن التقدم التقني، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي، مجموعة من الدول والجهات غير الحكومية من الوصول إلى أنواع من المعرفة تطوّر أدوات الاضطراب والصراع، مثل البرمجيات الخبيثة والأسلحة البيولوجية.
توصيات لتحقيق الأمان
تتكاتف دول العالم لحل المشكلات غير المرتبطة بالصراعات والمنافسة بينها، خاصة تلك المُهدّدة لمستقبل البشرية ككل، مثل التغير المناخي.
ولكن في هذا العالم المجزأ والمتغير، سوف يتعرض التعاون الدولي لضغوط، ومع ذلك، هناك فرص سانحة على المستويات المحلية والدولية، من شأن استغلالها أن يقلّل من تأثير المخاطر العالمية بشكل كبير.
ويعد الحد من الانبعاثات البشرية الوسيلة الأسرع لتأجيل أو تجنب التغييرات الحاسمة في أنظمة الأرض.
وهنا تكمن الأولوية الثانية في معالجة الانهيار الشامل الناجم عن المخاطر البيئية، عن طريق التكيف بفعالية مع التغيرات المقبلة.
مع ارتفاع مستويات سطح البحر، هناك حاجة إلى حلول لمعالجة التهديدات على حياة الإنسان وعناصر الطبيعة والممتلكات.
ومن الحلول المتاحة الابتكارات المقدمة من ذوي الخبرة في أفريقيا لإدارة الجفاف والفيضانات، والتي ستساعد في ضمان جودة المحاصيل ببقية مناطق العالم.
ومن الممكن تسخير إبداع المجتمعات المحلية في إدارة إعادة توطين سكان القطب الشمالي، لفهم السياسات الوقائية والأساليب الأكثر فعالية للتعامل مع الهجرة القسرية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.
كما يمكن تعلم الكثير من الطبيعة وعملياتها ونظمها البيئية التي نجت من خمسة انقراضات جماعية سابقة، من أجل وضع تصوّر لأكثر الممارسات فعالية إذا ما وصلنا إلى نقطة الانهيار.
ومع تزايد انعدام الأمن المرتبط بالتقدم التقني، ينبغي على الدول الاستجابة لهذا الأمر بالاستثمار في المواهب القادرة على تحقيق الأمن السيبراني.
وإلى جانب ذلك، على المجتمع الدولي، بذل المزيد من الجهد لتنظيم الذكاء الاصطناعي، ووضع قوانين تحدّد أطر استخدامه.
ملخص التقرير
– تجنّب العالم العواقب المزعزعة لاستقراره ككل كنتيجة لأحداث عام 2023، ولكن التوقعات طويلة الأمد تشير إلى صدمات عالمية منتظرة
– يمثّل الطقس القاسي أكبر خطر عالمي في 2024، وعم ذلك، فإن الاقتصادات العالمية غير مستعدة بالصورة اللازمة لمواجهة عواقب الأحوال الجوية الحادة، والتي تشمل تأثّر النظم الغذائية والأضرار واسعة النطاق في البنية التحتية.
– تشكل المعلومات الخاطئة والمضللة ثاني أكبر خطر عالمي خلال العام الحالي، وهو ما قد يؤدي إلى تقليص الثقة في مختلف أنواع المنظمات وتعميق الانقسامات السياسية.
– بحلول عام 2034، يعتقد القادة الذين شملهم استطلاع المنتدى الاقتصادي العالمي أن المخاطر البيئية ستكون الأكثر إثارة للقلق، حيث تشكل 5 من أكبر 10 مخاطر.
– من شأن التوترات الجيوسياسية أن تؤدي إلى مخاطر أمنية جديدة، حيث أن هناك العديد من الصراعات المجمدة المعرضة للاشتعال خلال العقد المقبل.
– يعد الحد من الانبعاثات البشرية الوسيلة الأسرع لتأجيل أو تجنب التغييرات الحاسمة في أنظمة الأرض.
– يمكن تعلم الكثير من الطبيعة وعملياتها ونظمها البيئية التي نجت من خمسة انقراضات جماعية سابقة، من أجل وضع تصوّر لأكثر الممارسات فعالية إذا ما وصلنا إلى نقطة الانهيار.
– مع تزايد التهديدات المرتبطة بالتقدم التقني، ينبغي على الدول الاستجابة لهذا الأمر بالاستثمار في المواهب القادرة على تحقيق الأمن السيبراني، ووضع تشريعات لتنظيم الذكاء الاصطناعي.