طوّرت مجموعة كبيرة من البلدان حول العالم أطرًا تنظيمية وقانونية للتعامل بالأصول الرقمية، وهو ما يدفع الخبراء الماليين للتفاؤل بشأن استعادة الثقة في العملات المشفرة والشركات المالية التي تستخدمها في معاملاتها خلال العام الجاري.
وأصدرت شركة برايس ووتر هاوس كوبرز “PwC” تقريرًا؛ لإلقاء نظرة مفصلة على البيئة التنظيمية العالمية للأصول الرقمية، وتأثيراتها على العملات المشفرة، وشركات الخدمات المالية التقليدية.
يركز التقرير الصادر عن شركة الخدمات المهنية المعترف بها عالميًا هذه، والتي تشتهر بخبرتها في مجال التدقيق والضمان والاستشارات والخدمات الضريبية، على الدور المهم للقضاء في التعامل مع لوائح التشفير العالمية، والفرص والتحديات التي تأتي مع وضع لوائح لتنظيم الأصول الرقمية.
لماذا يهم التكافؤ القضائي؟
أشار التقرير إلى التقدم الكبير في التطوير العالمي للأطر التنظيمية والقانونية، والتي لعبت دورًا مهمًا في استعادة الثقة في الأصول الرقمية وتعزيز مرونة السوق.
وبحسب التقرير، يمهّد هذا التطور لبيئة تنظيمية توازن بين المخاطر والفرص والابتكار.
أحد الجوانب المحورية التي تم تسليط الضوء عليها في التقرير هو التكافؤ القضائي، وهو أمر ضروري لشركات الأصول الرقمية للتعامل مع لوائح التشفير العالمية دون عقبات تسببها الاختلاف بين القوانين.
ويشير التكافؤ القضائي إلى فكرة قابلة مقارنة المعايير التنظيمية بين دولة وأخرى؛ لتأسيس استراتيجيات تجنّب الشركات المشكلات التي قد تنجم عن اختلاف اللوائح.
ويعبّر التقرير عن أن المشهد العالمي ليس موحدًا، حيث حققت أوروبا والشرق الأوسط تقدمًا كبيرًا نحو وضع إرشادات شاملة لتمكين شركات الأصول الرقمية.
وفي المقابل، تتمتع بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، بلوائح تنظيمية معقدة، إذا أن الوكالات الفيدرالية وحكومات الولايات لديها قواعد متداخلة ومتضاربة في بعض الأحيان، فيصعب التنقل بينها والامتثال لها جميعًا، مما يخلق حالة من عدم اليقين لدى الشركات.
ويؤكد التقرير ضرورة بناء الرغبة لدى المشرعين المحليين والسلطات التنظيمية المحلية في الاعتراف بالمبادئ المشتركة عبر الولايات القضائية داخل البلد الواحد أو بين الدول لتحقيق التكافؤ.
ومن ناحية الشركات، فإنها تحتج إلى تصميم معاييرها الداخلية بما يتوافق مع لوائح الولايات القضائية التنظيمية الأكثر صرامة والأكثر شهرة، في حال رغبت بالعمل في أكبر عدد ممكن من المناطق.
ويلعب واضعو المعايير العالمية دورًا مهمًا في تشكيل المشهد التنظيمي، وعلى الرغم من أن توصياتهم ليست ملزمة قانونًا، إلا أنها توفر إرشادات مهمة للسلطات الوطنية.
وقد لعبت المؤسسات العالمية الرئيسية مثل مجلس الاستقرار المالي “FSB”، وصندوق النقد الدولي “IMF”، وفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية “FATF”، والمنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية “IOSCO” دورًا فعالاً في توفير الأطر والتوصيات لتوجيه السياسات العالمية لتنظيم الأصول المشفرة.
على سبيل المثال، أصدر صندوق النقد الدولي بالتعاون مع مجلس الاستقرار المالي ورقة توصيات بشأن سياسات الأصول المشفرة، في سبتمبر 2023.
يدعو صندوق النقد الدولي إلى إجراء رقابة تنظيمية وإشرافية شاملة على الأصول المشفرة، والتي ينبغي أن تكون بمثابة خط أساس لمعالجة المخاطر المحتملة على الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي.
ويرى الصندوق أن التنظيم والإشراف على مصدري الأصول المشفرة ومقدمي الخدمات المرخصين أو المسجلين، سيدعم عمل تدابير تدفق رأس المال والسياسات المالية والضريبية ومتطلبات السلامة المالية.
وينصح الصندوق الولايات القضائية بحماية السيادة النقدية وتعزيز أطر السياسة النقدية للحماية من التقلبات المفرطة في تدفقات رأس المال.
لائحة الاتحاد الأوروبي المُنظّمة لأسواق الأصول المشفرة
تعد لائحة الاتحاد الأوروبي لتنظيم أسواق الأصول المُشفّرة “MiCAR”، أول إطار تنظيمي عابر للدول لأصول العملات المشفرة.
تهدف اللائحة إلى تسهيل اعتماد تقنية دفتر الأستاذ الموزع “DLT” والأصول المشفرة في قطاع الخدمات المالية، مع التمييز بين الرموز المميزة على أنها “أدوات مالية” وتلك المصنفة على أنها “أصول مشفرة”.
يتضمن النطاق التنظيمي لـ “MiCAR” متطلبات الترخيص لمقدمي خدمات الأصول المشفرة “CASPs”، ونظام مخصص لإساءة استخدام السوق للأصول المشفرة، ومجموعة أدوات إشرافية معدلة للسلطات الوطنية المختصة “NCAs”.
وكان برلمان الاتحاد الأوروبي قد أصدر موافقته على اللائحة في 20 أبريل 2023، ثم دخلت حيز التنفيذ في 29 يونيو 2023، ويُنتظر بحلول 30 ديسمبر 2024 التطبيق الكامل لجميع أحكامها.
واعتبارًا من 30 يونيو 2026، سيتم إلزام مُقدّمي خدمات الأصول المُشفّرة بالتقدم بطلب إصدار ترخيص لمزاولة أنشطتهم.
جهود مُثمرة يقابلها رفض وامتناع
سلط التقرير الضوء على الأساليب التي اتخذتها الولايات القضائية حول العالم خلال عام 2023 في تنظيم الأصول المشفرة، ومن بين أبرزها:
– البرتغال: تنفيذ لائحة الاتحاد الأوروبي لتنظيم أسواق الأصول المشفرة “MiCAR”.
– قطر: تطوير إطار تنظيمي جديد للأصول الرقمية، بما يشمل قضايا ملكية الأصول، والتداول، والعقود الذكية.
– سنغافورة: عملت سلطة النقد السنغافورية على إنشاء نظام مبتكر ومسؤول للأصول الرقمية، يركّز على تمكين الشركات عالية الجودة وتثقيف المستهلكين حول مخاطر العملات المشفرة.
– سلوفاكيا: قررت إدخال لائحة الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في ديسمبر 2024، مع إقرار لوائح تنظّم التزامات مكافحة غسل الأموال والضرائب.
– تايوان: الإشارة إلى “الويب 3.0” كمجال نمو رئيسي، مع تقديم لجنة الإشراف المالي إرشادات تغطي الجوانب المختلفة لمقدمي خدمات الأصول الافتراضية.
في المقابل، تتعامل بعض الدول مع أصول العملات المشفرة بحذر أو تجاهل، ومن الأمثلة على ذلك:
– تركيا: تعتمد نهجًا حذرًا تجاه الأصول المشفرة، مع لوائح تحظر الاستخدام المباشر أو غير المباشر لها في المدفوعات.
– أوغندا: لا تعترف الحكومة بالأصول المشفرة كعملة قانونية، مع عدم وجود نظام لترخيصها.
ملخص التقرير
– أحرزت مجموعة من الدول تقدمًا كبيرًا في تطوير الأطر التنظيمية والقانونية لمعاملات الأصول الرقمية المشفرة خلال 2023.
– ساعدت الأطر التنظيمية على استعادة الثقة في العملات المُشفّرة وتعزيز مرونة السوق.
– تشهد أوروبا والشرق الأوسط تطورات مهمة نحو وضع إرشادات لتمكين شركات الأصول الرقمية، بينما تتمتع بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، بلوائح تنظيمية مُعقّدة.
– تُنصح الشركات بوضع استراتيجيات لتفادي المشكلات التي قد تنجم عن اختلاف اللوائح بين الولايات القضائية المختلفة، بينما على المؤسسات الدولية العمل على تحقيق التكافؤ القضائي.
– يدعو صندوق النقد الدولي إلى إجراء رقابة تنظيمية وإشرافية شاملة على الأصول المُشفّرة؛ لمعالجة المخاطر المحتملة على الاقتصاد والاستقرار المالي.
– أدخل الاتحاد الأوروبي أول إطار تنظيمي عابر للدول لأصول العملات المُشفّرة حيّز التنفيذ في شهر يونيو 2023.
– اعتبارًا من 30 يونيو 2026، سيتم إلزام مُقدّمي خدمات الأصول المُشفّرة بالتقدم بطلب إصدار ترخيص لمزاولة أنشطتهم في دول الاتحاد الأوروبي.
– تتعامل بعض الدول بحذر أو تجاهل مع الأصول الرقمية المُشفّرة، فعلى سبيل المثال، تحظر تركيا استخدامها بشكل مباشر أو غير مباشر في المدفوعات.