يتصاعد العنف العالمي نتيجة النزاعات المسلّحة، وهو ما يستدعي دراسة طبيعة وأسباب هذه الصراعات ومآلاتها؛ لتحديد فرص السلام التي من شأنها وقف الحروب وتأثيرها على الأوضاع الاجتماعية لملايين البشر والاقتصاد العالمي.
أصدرت الجامعة المستقلة في برشلونة، تقريرها السنوي عن النزاعات وحقوق الإنسان وبناء السلام لعام 2023؛ لتحليل الصراعات التي شهدها العالم في 2022، وتقديم حلول لفض النزاعات.
نظرة على الصراعات المسلحة في 2022
بداية، يُعرّف النزاع المسلح في هذا التقرير على أنه أي مواجهة بين مجموعات مسلحة نظامية أو غير نظامية غير متوافقة ولها أهداف محددة، حيث يسبب الاستخدام المستمر للعنف ما لا يقل عن 100 حالة وفاة في السنة، أو إحداث تأثير خطير على الإقليم، بما يشمل تدمير البنية التحتية أو الموارد الطبيعية، وعلى سلامة الإنسان، مثل الجرحى والنازحين وانعدام الأمن الغذائي أو انقطاع الخدمات الأساسية.
وفي عام 2022، كانت هناك زيادة طفيفة في عدد النزاعات المسلحة مقارنة بالعام السابق.
في المجموع، كانت هناك 33 حالة نزاع مسلح تم الإبلاغ عنها في 2022، مقارنة بـ 32 صراعًا في عام 2021، و34 في أعوام 2020 و2019 و2018.
وتشمل النزاعات المسلحة الجديدة التي شهدها العام 2022 تصاعد العنف في إثيوبيا، بعد أن حرّضت قوات الأمن الفيدرالية الإثيوبية المدعومة من ميليشيا فانو الأمهرية ضد مسلحي الأورومو، بالإضافة إلى العملية العسكرية التي بدأتها روسيا في أوكرانيا خلال الربع الأول من السنة.
وبالنسبة للتوزيع الجغرافي للنزاعات المسلّحة، لا تزال الغالبية العظمى منها متركزة في قارة أفريقيا بواقع 16، تليها آسيا (9)، ومنطقة الشرق الأوسط (5)، وأوروبا (اثنان)، والأمريكيتان (واحد).
وبناء على ذلك، فإن ما يقارب نصف الحالات حدثت في قارة أفريقيا، أي بنسبة 49%.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الأطراف المشاركة في الصراعات ونطاق الأعمال العدائية، فقد تم تصنيف 12% من النزاعات المسلحة على أنها داخلية، في الفلبين والهند وتايلاند وإثيوبيا.
وشكّلت الصراعات ذات الطبيعة الدولية 9% من الإجمالي، والتي تشمل الحرب في منطقة ساحل غرب أفريقيا، والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والحرب الروسية الأوكرانية.
أما الحالات الـ 26 المتبقية، والتي تمثّل 79% من الإجمالي، فهي تصنّف كصراعات داخلية مُدوّلة، وتتميز هذه الحالات بأن يكون أحد الأطراف المتنازعة أجنبيًا، أو أن طرفًا ما له قاعدة في مسرح العمليات العدائية أو يشن هجمات من الخارج أو أن يمتد النزاع إلى دول مجاورة.
أسباب ونتائج الصراع
استمرت النزاعات المسلحة بسبب عوامل متعددة في 2022، حيث كان 67% منها قائمًا على التشكيك في السياسة والنظام الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأيدولوجي للدولة في المقام الأول، وسياسات الحكومات.
التشكيك في النظام كان العامل الأول لنشوب واستمرار الصرعات في 52% من النزاعات التي شهدها عام 2022 مع أسباب أخرى جانبية.
وفي 42% من حالات النزاع المسلّح في العالم كان السبب الرئيسي هو المطالبة بالحكم الذاتي، وهنا برز الصراع في إثيوبيا بسبب تصاعد القتال بين قوات الأمن الإثيوبية وميليشيا الفانو الأمهرية ضد جماعة أورومو المسلحة.
وكانت هناك العديد من النزاعات المسلحة التي نتجت بشكل أساسي من أجل السيطرة على الأراضي أو الموارد، حيث بلغت نسبتها 39% من الإجمالي.
وفي 2022، ارتفعت مستويات العنف الناتجة عن النزاعات المسلحة بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق، خاصة في إثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال والسودان وميانمار وباكستان وروسيا وأكرانيا.
ونتيجة لذلك، ارتفعت وفيات المدنيين بنسبة 49% مقارنة بما تم الإبلاغ عنه في عام 2021، بالإضافة إلى زيادة حالات النزوح الجماعي للسكان.
وفقًا لتقرير حديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن واحدًا من كل 23 شخصًا في العالم بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ويحذّر المكتب من أن أكبر أزمة غذائية عالمية في التاريخ الحديث بدأت تتكشف بسبب الصراعات والصدمات المناخية والتهديد بالركود العالمي.
فرص لإحلال السلام
عرض التقرير مجموعة من الفرص المواتية لتحقيق السلام في المستقبل بمناطق مختلفة من العالم، بيانها على النحو التالي:
– إثيوبيا: تفاقم عدم الاستقرار في البلد الأفريقي خلال السنوات الأخيرة، ولكن وقف إطلاق النار الدائم بين الحكومة الفيدرالية وحكومة تيغراي المؤقتة في يونيو 2021، وبدء محادثات السلام مع جماعة الأورومو المسلحة، يمكن أن يعطي البلاد فرصة للبدء في التحرك نحو سياسة جديدة توقف كل أشكال النزاع.
– كولومبيا: تروّج حكومة البلاد لسياسة عامة لبناء السلام تعرّفها باسم “المجموع”، حيث دعت كافة الجماعات المسلحة للحوار؛ لحل الصراع متعدّد الأطراف.
– فنزويلا: بوصول حكومات جديدة إلى السلطة في أمريكا اللاتينية تراجع الاستقطاب الإقليمي فيما يتعلق بالأزمة في فنزويلا، كما حدث تقارب بين حكومة البلاد وإدارة الولايات المتحدة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، واعتماد مواقف أكثر تصالحية من قبل الحكومة والمعارضة الفنزويلية بتوقيع اتفاقية بين الطرفين في نوفمبر 2022.
– اليمن: بعد 8 سنوات من الصراع تواجه اليمن فرصة سانحة لإنهاء الأعمال العدائية، بسبب الهدنة التي وُقّعت في أبريل 2022، وأدت إلى خفض العنف بشكل كبير، وفتح سبل للتفاوض بين المملكة والحوثيين بوساطة عمانية.
وفي المقابل، تواجه مناطق مختلفة من العالم فرصًا لزيادة العنف، مثل ما يحدث بين الكوريتين، حيث تصاعد التوتر السياسي والعسكري في شبه الجزيرة الكورية في السنوات الأخيرة، وهو ما ينذر بارتفاع عدد نوبات القتال بين كوريا الشمالية والجنوبية على الحدود البرية والبحرية.
ملخص التقرير
– شهد عام 2022 بدء واستمرار 33 صراعًا مسلحًا، وهو رقم أعلى قليلاً من العام السابق.
– تركّزت معظم الصراعات المسلحة في أفريقيا (16) وآسيا (9)، يليها الشرق الأوسط (5)، وأوروبا (2)، والأمريكيتان (1).
– لأول مرة منذ عقد من الزمن، شكلت النزاعات المسلحة شديدة الحدة أكثر من نصف جميع الحالات في جميع أنحاء العالم، بنسبة 52%.
– مثّلت الصراعات الدولية 9% من إجمالي النزاعات المسلحة حول العالم في 2022، في مقابل 79% للصراعات الداخلية المُدوّلة.
– سجلت 30% من النزاعات المسلحة في عام 2022 مستويات عنف أعلى من العام السابق.
– ظلت آسيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تشهد صراعات داخلية مُسلّحة، باستثناء الصراع في إثيوبيا بقارة أفريقيا، وتواجد بقية النزاعات في الفلبين، والهند، وتايلاند.
– يحذّر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة من تطور أكبر أزمة غذائية عالمية في التاريخ الحديث ناجمة عن الصراعات والصدمات المناخية وتهديد الركود العالمي وتصاعد انعدام الأمن العالمي.
– توجد فرص قائمة لإحلال السلام في إثيوبيا، وفنزويلا، وكولومبيا، واليمن، بينما ترتفع مخاطر زيادة حدة النزاع بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، وعدم استقرار العمليات الانتقالية في السودان وجنوب السودان.