تواجه مهنة الصحافة موجة ثالثة من التغير التقني بالتزامن مع التطوّر الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بعد أن كانت الأولى مرتبطة بظهور الإنترنت، مصحوبة برقمنة الأدوات واستخدام الهواتف المحمولة، والثانية متصلة بوسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على إنشاء المحتوى وانتشاره.

في النصف الثاني من العقد الماضي، اعتمد الصحفيون على الذكاء الاصطناعي ضمن نطاق محدود، في عمليات جمع الأخبار وإنشاء المحتوى وتوزيعه.

وبالتزامن مع الثورة الهائلة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي حدثت العام الماضي، واجهت المؤسسات الإخبارية اضطرابات قد تهدّد استمرارها، نظرًا لمخاطر هذه التقنية عليها.

في هذا التقرير، الذي يعتمد على دراسات استقصائية أجرتها “JournalismAI” في الفترة بين أبريل ويوليو 2023، نسلّط الضوء على تأثير الذكاء الاصطناعي والصحافة، مع وضع تصوّر لما يمكن أن تقوم به المؤسسات الإخبارية لتفادي مخاطره.

كيف تستخدم غرف الأخبار الذكاء الاصطناعي اليوم؟

ينخرط الذكاء الاصطناعي اليوم في جميع مراحل إنشاء المحتوى، بدءًا من التفكير في إنتاج المواد الصحفية وحتى نشرها.

ويمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تساعد غرف الأخبار في جمع المواد من مصادر مختلفة، عن طريق أتمتة النسخ، واستخراج النص من الصور، وتنظيم البيانات بعد جمعها، فضلًا عن اكتشاف اتجاهات الجمهور والموضوعات الأكثر رواجًا.

المجال الثاني للاستخدام هو إنتاج الأخبار، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا في إنشاء المحتوى، عن طريق التحقق من المعلومات باستخدام روبوتات الدردشة، مثل “ChatGPT”، وتصحيح الأخطاء اللغوية، وكتابة الملخصات، والترجمة من لغات أخرى، وإنتاج الصور والصوت والفيديو.

ويمثل توزيع الأخبار المجال الثالث والأخير لاستخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار؛ لتحقيق وصول أكبر للجمهور، من خلال أنظمة تخصيص الفئة المستهدفة بالمحتوى، وأتمتة توجيهه إليهم عبر التطبيقات المختلفة، وأداء مهام تحسين محركات البحث.

استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة ثروات السعوديين في الفترة من عام 2000 إلى 2022 01

مستقبل الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي

في الوقت الحالي، هناك انقسام واضح بين المؤسسات الصحفية في رأيها بشأن إمكانية التكامل بين غرف الأخبار والذكاء الاصطناعي لإنتاج المحتوى وتقديمه للجمهور بالمشاركة بين الصحفيين والأدوات الرقمية.

ويرى 53% ممن شاركوا في استطلاع الرأي أنهم غير مستعدين بعد للتعامل مع تحديات الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في غرفة التحرير.

ويواجه تواجد الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار تحديات فنّية، تتعلق بنقص الكوادر المُدرّبة، إضافة إلى تحديات أخلاقية ترتبط بالخوف من التحيز وعدم شفافية المواد المُنتجة.

وعلاوة على ذلك، هناك تحديات ثقافية مرتبطة بالخوف من استيلاء الذكاء الاصطناعي على وظائف الصحفيين وتغيير طبيعة المهنة بالكامل، وأخيرًا تحديات إدارية تتعلق بصعوبة التوافق حول بدء تجربة هذه الأدوات.

وعلى الرغم من ذلك، يتوقع 80% من المشاركين في استطلاع الرأي أن يزداد استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار مستقبلًا، ويعتقدون أن التكامل بين أدواته والصحفيين قادم لا محالة.

وحدّد من تبنّوا هذا الرأي 4 مجالات رئيسية لتكامل استخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل، وهي كالتالي:

– التحقّق من المعلومات: للذكاء الاصطناعي دور هام في مكافحة المعلومات الخاطئة، فيمكن لبعض الأدوات تحليل الروايات الكاذبة حول الوقائع المختلفة، وتحديد الخطابات التي تحث على الكراهية، ومراقبة منصات التواصل الاجتماعي لاكتشاف أي معلومة مضلّلة.

– التخصيص: جزء من نجاح المؤسسة الإخبارية يتمثل في توجيه الأخبار إلى المهتمين بها بدقة، وفي حين أن وسائل التواصل الاجتماعي حققت نجاحًا لافتًا في هذا المجال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحرز تقدمًا أكبر بسبب قدراته الفائقة في تحديد اهتمامات الجماهير.

– إنشاء النصوص وتلخيصها: يمكن استخدام النماذج اللغوية الكبيرة في إنتاج العناوين وصياغة المحتوى وتلخيصه، ويُنتظر أن تشهد السنوات المقبلة تطورًا أكبر في هذا المجال.

– إجراء المقابلات واستطلاع آراء الجمهور: يمكن الاستعانة ببرامج الدردشة الآلية في الحصول على المعلومات بإجراء المقابلات مع مصادر المعلومات، والحصول على صورة أعمق لاتجاهات الجمهور.

وبشكل عام، سيحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات كبيرة على غرف الأخبار، عن طريق زيادة الإنتاجية، والتحقق بشكل أكبر من المعلومات المضللة، وإنشاء المواد الصحفية بأشكال ووسائط متعددة، ولكن لا يزال القلق قائمًا من تطوّر الأدوات لتصبح قادرة على كتابة الأخبار وتحريرها وتوزيعها، مما قد يؤثر على الوظائف.

لماذا تتأخر بعض المؤسسات الصحفية في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي؟ ثروات السعوديين في الفترة من عام 2000 إلى 2022 01

المخاطر ووسائل مواجهتها

هناك مفارقة تجدر الإشارة إليها، ففي حين أن عام 1980 شهد الظهور الأول لصحيفة على الإنترنت، واستغرق الأمر 17 عامًا قبل ظهور موقع “BBC” على الشبكة، ولكن في حالة الذكاء الاصطناعي، سجّل “ChatGPT” مليون مشترك في الفترة من نوفمبر 2022 إلى يناير 2023.

تدفع هذه الأرقام المؤسسات الصحفية لسؤال نفسها: إن كان الذكاء الاصطناعي لديه هذه القدرة على إنتاج الأخبار بسرعة، فلماذا قد يلجأ الجمهور إلينا مرة أخرى؟

ولتفادي تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائف الصحفيين أو تحوّل الجمهور للاعتماد على هذه التقنية، قدّم الخبراء مجموعة من النصائح للمؤسسات الصحفية، كالتالي:

– توسيع المعرفة بالذكاء الاصطناعي: فهم مكوّنات الذكاء الاصطناعي التي تؤثر على الصحافة، على مستوى الصحفيين والإداريين والتقنيين.

– استحداث وظيفة جديدة: تكليف شخص ما في المؤسسة بمراقبة التطورات التقنية، على سبيل المثال، قائد الابتكار والبحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي.

– الاختبارات والتجارب: يمكن الاستعانة بإدارة الموارد البشرية في قياس نتائج استخدام الذكاء الاصطناعي؛ لربع مستوى الاستفادة منه.

– وضع مبادئ توجيهية: تحديد مجموعة من الضوابط والمسؤوليات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مكان العمل.

– التعاون: عقد شراكات تعاونية مع الجامعات وشركات الذكاء الاصطناعي والمؤسسات الصحفية الأخرى للاستفادة من خبراتهم والتطور الذي وصلوا إليه في هذا المجال.

دليل المؤسسات الصحفية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي ثروات السعوديين في الفترة من عام 2000 إلى 2022 01

ملخص التقرير

– تستخدم 75% من المؤسسات الصحفية أدوات الذكاء الاصطناعي في مراحل جمع وإنتاج وتوزيع الأخبار بمعدلات متفاوتة.

– قام حوالي 85% من الصحفيين بتجربة تقنيات الذكاء الاصطناعي مرة واحدة على الأقل في تحرير الصور أو إعداد الملخصات أو التحقق من المعلومات.

– تعزف مؤسسات صحفية عن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في دورة أعمالها لأسباب مختلفة، تشمل نقص الموارد المالية، والخوف من التحيّز وعدم الشفافية، وخشية استبدال الأدوات بالصحفيين.

– لم تغيّر 40% أسلوب تعاملها مع الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة بالرغم من تطوّر أدواته، إما لأنهم في بداية رحلتهم نحو الاستفادة الكاملة من إمكاناته، أو لصعوبة دمجه بصورة كاملة في دورة أعمال المحتوى الصحفي خلال الوقت الحالي.

– عبّرت 60% من المؤسسات الصحفية عن قلقها بشأن الآثار الأخلاقية للاستعانة الكاملة بالذكاء الاصطناعي في أعمالها.

– يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزيد تسويق الإنتاج الصحفي تجاريًا، مما قد يؤدي لخفض الجودة وتراجع ثقة الجمهور في المؤسسات.

– تتوقع 80% من المؤسسات الصحفية أن يصبح للذكاء الاصطناعي دور أكبر في غرف الأخبار مستقبلًا.

– للتغلب على مخاطر الذكاء الاصطناعي على العمل الصحفي، يتعين رفع مستوى معرفة الصحفيين بمكونات هذه التقنية المؤثرة في عملهم، وتجربة المؤسسات الأدوات المتاحة ومراقبة تأثيرها، والتعاون مع الجامعات وشركات التقنية والمؤسسات الأخرى للاستفادة من خبراتها.

ملخّص التقرير. الذكاء الاصطناعي والصحافة ثروات السعوديين في الفترة من عام 2000 إلى 2022 01

تقييم :
1
5

تقارير ذات صلة

ديسمبر 7, 2024

ملايين المسافريــن بلغاتهــم المتباينة، وثقـــــافـــاتهـــم المتعــددة اجتمعوا على فـــهـــم "النــداء الأخيــــر" بإيقاعــه المعتـــاد..

نوفمبر 25, 2024

لا تزال قضية العنف ضد المرأة قائمة، بل إنها تتفاقم، مع تزايد الصراعات في مناطق متفرقة حول العالم، وتردي الأوضاع الاقتصادية للكثير من البلدان، مما يوجب تكثيف العمل الدولي على حل المشكلات التي من شأنها منح الحماية اللازمة للنساء. ويمثّل اليوم الدولي للعنف ضد المرأة، والذي يوافق 25 من نوفمبر، فرصة لتسليط الضوء على حجم […]

نوفمبر 17, 2024

مٌنعطف فاصــــــل في ذكرى ضحايا.. حوادث الطرق.. ما بين طــرفـــةِ عيـنٍ وانتبـاهتهــــــــا يغيّـر الله من حــــــــالٍ إلى حــــــــالِ سطـر يلخـص حـــال الحــــوادث الـمروريــــة بمختـلف تفــاصيــــلهــا، ليتحول الحــادث إلى حـــدث.. تحول ضحايـاه إلى أرقـام في سجــلات الوفيّات أو المصــابين.. أرقـــام تختصر حـــوادث مميتة شهدتهـــا طرق وشـوارع العــالم أجمع.. خلفها تجتمع حكايــا وقصص غارقــة بالمعانــاة جسدياً ونفسيًــا […]

استبيان

هل وجدت التقرير مفيداً ومفهوماً؟
هل كان التقرير يحتوي على المعلومات التي كنت تبحث عنها؟
هل تم تصميم التقرير بشكل جيد وسهل القراءة؟
هل تم تنظيم المعلومات بشكل منطقي ومفهوم؟
هل تم استخدام الرسوم البيانية والجداول بشكل فعال ومفيد؟
هل تم توضيح المصادر المستخدمة في التقرير بشكل جيد؟
هل تم تقديم البيانات والمعلومات بشكل دقيق وموثوق؟
هل أثار التقرير أي أسئلة أو استفسارات لديك؟
هل تنصح بتصفح التقرير والاستفادة منه في المستقبل؟
هل تم تقديم البيانات والمعلومات بشكل دقيق وموثوق؟

المصادر