على رأس أولويات المملكة العربية السعودية، تحتل مواجهة التغير المناخي وتحقيق الاستدامة قمة الأولويات. فالرياض تشارك بفاعلية في مواجهة مخاطر الاحترار العالمي؛ بمبادرات لافتة تستهدف الوصول إلى الحياد الصفري للكربون بحلول عام 2060، وسعي محموم نحو مستقبل يضمن الالتزام بالطاقة النظيفة والاستدامة، والأخيرة ركيزة أساسية في رؤية 2030م.
لكن بعيداً عن تحركات القيادة السعودية في ذلك الإطار، والمبادرات الحكومية التي تطلقها الوزارات المختلفة لتحقيق الاستدامة، ثمة أسئلة طرحها تقرير حديث أصدرته “إبسوس”، تمحورت حول مدى اهتمام الناس في المملكة بالقضايا البيئية، وفهم الجمهور للاستدامة، والإجراءات التي اتخذوها كأفراد للعيش بشكل أكثر استدامة، بالإضافة إلى الخطوات التي اتخذتها شركات مختلفة لتحقيق الاستدامة.
ما هي الاستدامة؟
تعرف الأمم المتحدة الاستدامة بأنها تعني تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة، فيما تستهدف الحفاظ على نوعيةِ الحياة من خلال التأقلم مع البيئة عن طريق استغلال الموارد الطبيعيّة لأطول مدى زمني ممكن يؤدي إلى المحافظة على استمرار الحياة.
وفي المملكة التي تطمح لأن تمثل الطاقة المتجددة 50% من استخداماتها بحلول عام 2030، ثمة رؤية شمولية للنظم البيئية من خلال الزراعة المستدامة وحماية البيئة الطبيعية والحفاظ على التنوع البيولوجي، ويشمل ذلك إنشاء محميات للحياة الفطرية ومبادرات السياحة المستدامة التي تحمي الأنواع المهددة بالانقراض وتحافظ على المناظر الطبيعية للمملكة، إذ تسهم رؤية السعودية 2030 في تطوير المدن والارتقاء بجودة الحياة من خلال مستقبل أخضر مستدام يعزز الحياة الحضرية، ويوفر مساحات خضراء شاسعة وفرصاً للتواصل مع الطبيعة، بحسب موقع رؤية 2030م.
غالبية عظمى
تحركات حكومية سعودية إذن، ومبادرات وخطط لتحقيق الاستدامة، لكن ما مدى اهتمام الناس بالقضايا البيئية؟ وهل هم على دراية أصلاً بمصطلح الاستدامة؟
يوضح تقرير “إبسوس” الذي استطلع آراء عدد كبير من سكان المملكة – من الذين يبلغون 18 عاماً فما فوق – أن الغالبية العظمى (95%) من الأفراد في المملكة على دراية بمصطلح الاستدامة، علماً بأنهم يربطونها في المقام الأول بالحفاظ على الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة المتجددة.
ويشير التقرير إلى أن غالبية سكان المملكة (9 من كل 10) اتخذوا خطوات نحو أسلوب حياة أكثر استدامة، مستدركاً أن ذلك يحدث عبر العديد من الإجراءات التي تتطلب جهداً سهلاً إلى متوسطاً، ومنها استخدام المصابيح الكهربائية منخفضة الطاقة، على سبيل المثال.
ليس هذا فحسب، بل عبّر 4 من كل 5 شملهم استطلاع “إبسوس” عن استعدادهم لتقديم تنازلات في نمط الحياة لصالح البيئة والحفاظ عليها، في حين كان 3 من كل 5 غير واضحين بشأن الإجراءات المحددة التي يمكن أن تحدث فرقاً لديهم في مكافحة تغير المناخ.
مصدر قلق عالمي رئيسي
ويمضي تقرير “إبسوس” إلى ذكر أن 40% من سكان المملكة لديهم مخاوف بشأن البيئة، لافتاً إلى أن 2 من كل 5 ذكروا القضايا البيئية باعتبارها مصدر قلق عالمي رئيسي.
وترتبط الاستدامة بمجموعة مختلفة من المواضيع منها: الحفاظ على الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة المتجددة، فكيف جاءت نتائج معرفة الجمهور السعودي بمختلف المواضيع المرتبطة بالاستدامة؟
يوضح التقرير أن 21% كانوا على معرفة بارتباط الاستدامة بالحفاظ على الموارد الطبيعية، و20% بارتباطها باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، و14% فيما يتعلق بالاستهلاك الأخلاقي، و10% فيما يتعلق بإعادة التدوير، كما يوضح الشكل التالي:
إجراءات مؤثرة
أما بالنسبة لأهم 10 إجراءات ينظر إليها السكان في المملكة على أنها ذات تأثير أكبر في تحقيق الاستدامة، فقد جاءت إعادة التدوير وإدارة النفايات على رأس الإجراءات بنسبة 18%، يليها تقليل استخدام المياه بنسبة 12%، ثم تقليل استخدام البلاستيك بنسبة 11%، واستخدام الطاقة المتجددة بنسبة 9%، والغذاء المزروع في المنزل واستخدام السيارات الكهربائية بنسبة 8% لكل منهما، وشراء سلع أقل بنسبة 7%، واستخدام الإضاءة الموفرة للطاقة بنسبة 6%، والاعتماد على نظام غذائي نباتي بنسبة 5%، والعيش في مساحة أصغر بنسبة 4%.
قامت الأغلبية في المملكة – حسب تقرير “إبسوس” – بدمج إجراءات الاستدامة في أسلوب حياتهم بشكل أو بآخر، علماً بأن 94% قد اتخذوا خطوات مرتبطة بأسلوب حياة أكثر استدامة، فيما تنوعت هذه الإجراءات الإيجابية للاستدامة التي يتخذها المستهلكون، بين استخدام المصابيح الكهربائية منخفضة الطاقة بنسبة 30%، والمشي أكثر عند التنقل بنسبة 29%، وإعادة التدوير وإدارة النفايات بنسبة 27%، وشراء واستخدام المنتجات التي تحتوي على كميات أقل من البلاستيك بنسبة 22%، بالإضافة إلى تقليل استخدام المياه بنسبة 21%، وغيرها من الإجراءات مثل زراعة الطعام الخاص وتناول كميات أقل من اللحوم، والتحول إلى الكهرباء المتجددة وتجنب السفر الجوي لمسافات طويلة، علماً بأنه ثمة تركيز أكبر لدى المستهلكين على الممارسات سهلة ومتوسطة الجهد مثل استخدام المصابيح الكهربائية منخفضة الطاقة والمشي أكثر، كما يوضح الشكل التالي:
محفزات الاستدامة
عرج التقرير على ذكر المحفزات التي تدفع الناس إلى عيش نمط حياة أكثر استدامة، وهو ما يتحقق إذا كانوا أكثر وعياً بالممارسات المستدامة، وإذا كانت هذه الممارسات ملائمة للتنفيذ، وقد وجد التقرير أن 41% من سكان المملكة قالوا إنهم سيعيشون بشكل آكثر استدامة في حال كان هناك وعي لديهم بتنفيذ الممارسات المستدامة، و40% في حال كانت الممارسات المستدامة ملائمة لهم، و37% إذا تم تطبيق الممارسات المستدامة من قبل الآخرين، و35% إذا لم يكن للممارسات المستدامة تكلفة إضافية.
فيما ذهب 33% من السكان إلى القول بأنهم سيعيشون بشكل أكثر استدامة إذا كان هناك حافز اقتصادي، و25% إذا كان القانون يتطلب ذلك.
مَن يتحمل مسؤولية الاستدامة؟
يلفت تقرير “إبسوس” إلى أن الناس في المملكة يرون أن القطاعات الأكثر مسؤولية عن الاستدامة هي شركات التكنولوجيا، تليها شركات النفط والغاز ثم علامات الأزياء وشركات الطيران، فيما يرى أكثر من النصف أن الحكومات يجب أن تتحمل تكلفة الممارسات المستدامة، إذ إن 3 من كل 10 يعتقدون أن الحكومات يجب أن تتحمل تكاليف الممارسات المستدامة، بنسبة 46% من السكان، فيما ذهب 29% إلى أن المسؤولية الأكبر تقع على قطاع الأعمال، أما ربع المشاركين فقد اعتقدوا أن عليهم تحمل تكاليف الممارسات المستدامة بأنفسهم.
أما من ناحية القطاعات التي يراها السعوديون الأكثر نشاطاً في مجال الاستدامة، فقد جاءت في مقدمتها شركات التكنولوجيا، تلاها شركات النفط والغاز، كما يوضح الشكل التالي:
ومن بين أفضل 10 علامات تجارية في المملكة مرتبطة بالاستدامة، كان هناك 7 علامات تجارية محلية، على رأسها شركة أرامكو، تليها شركة المراعي ثم أديداس ثم سابك ثم نادك يليها نون noon، وبعدها بندة panda ثم stc ثم سامسونج يليها نايكي.
ملخص التقرير:
- ثمة وعي كبير بين سكان المملكة بمصطلح الاستدامة، إذ إن (95%) من السكان على دراية به.
- 9 من كل 10 أشخاص في المملكة اتخذوا خطوات فعلية نحو أسلوب حياة أكثر استدامة.
- 4 من كل 5 من سكان المملكة عبروا عن استعدادهم لتقديم تنازلات في نمط الحياة لصالح البيئة والحفاظ عليها.
- استخدام المصابيح الكهربائية منخفضة الطاقة والمشي أكثر عند التنقل وإعادة التدوير وإدارة النفايات جاءت على رأس الإجراءات التي اتخذها السكان للعيش بشكل أكثر استدامة.
- شركة أرامكو حلت على رأس القائمة فيما يتعلق بالشركات والعلامات التجارية الأكثر استدامة في السعودية.
- شركات التكنولوجيا تعد على رأس القطاعات التي اعتبرها سكان المملكة الأكثر نشاطاً في مجال الاستدامة.
- في حين اعتبر 46% من سكان المملكة أن على الحكومات تحمل تكلفة الممارسات المستدامة، قال ربع السكان إن عليهم تحمل تكاليف الاستدامة بأنفسهم.